(فَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ تَشَاوُرُ عُمَرَ وَالصَّحَابَةِ لَمَّا كَثُرَ فِي زَمَانِهِ شُرْبُ الْخَمْرِ)، فعُمَرُ - رضي الله عنه - لم يفعله من غير أي سبب، ولكن عمر - رضي الله عنه - هو أمير المؤمنين وهو الخليفة الثاني بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتعلمون مكانة عمر وحصافَتَه، كيف كان ينزل القرآن مؤيدًا لرأيه في كثير من الأُمور: في أسرى بدر، فيما يتعلق بمقام إبراهيم، فيما يتعلق بالحجاب (١)، إلى غير ذلك من الُأمور، وفيما يتعلق بالخمر أيضًا، فعمر - رضي الله عنه - رأى التساهُل من الناس والاستخفاف في هذا الأمر، فأراد أن يجعل زاجرًا حتى يرتدع الناس، ولذلك قال العلماء: لولي الأمر من بعد المصلحة أن يضاعف العقوبة، وترون الآن مصير الذي يروج المخدرات؛ لأن هذا أشد ضررًا من الذي يشرب الخمر، فالذي يشرب الخمر إنما يضر نفسه، لكن هذا المروِّج يأتي بهذه السموم ليقتل بها المؤمنين، فلولي الأمر أن يتخذ عقوبة صارمة ليردعه، فهو المسؤول أمام الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يَزَع بالسلطان ما لا يَزَع بالقرآن؛ فالقرآن كتاب تعليم وهداية وإرشاد، ولكن السلطان يُنفِّذ ما في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهو يطبق ذلك تطبيقًا عمليًّا، أما بالنسبة للصالحين المتقين الخاشعين المؤمنين بالله تعالى، فليسوا بحاجة إلى زواج، ولذلك كان الصحابة - رضي الله عنهم - كما كان يقال في وصفهم- تجد أحدهم قرآنًا يمشي على الأرض، تقرأ الآيات فتراها في أخلاق رسول الله في صفاتهم وأفعالهم وأقوالهم ودعوتهم، ولذلك كان الناس يتسابقون إلى الدخول في دين الله سبحانه وتعالى، لِما كانوا يرونه من الحالة والصفات التي كان عليها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهكذا فإن المسلمين بحاجة إلى أن يعودوا إلى هذا الدين الحنيف وأن يتمسكوا بأهدافه وأن يكونوا قدوةً صالحةً لغيرهم، فكم من الذين دخلوا في الإسلام إذا أُعطُوا صورةً صادقةً عن هذا الدين، كثير من الناس يظنون بأن هذا الدِّين هو دين العنف ودين القسوة والشدة، هو لا يقبل أحدًا، لا مع أن هذا الدين هو دين السماحة والصبر.
(١) أخرج البخاري (٤٠٢) ومسلم (٢٣٩٩)، واللفظ لمسلم عن عمر بن الخطاب قال: "وافقت ربي في ثلاث، في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر".