للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت للعدو إنما هي تُغيَّر، أي: تُرمى فيها الحجارة؛ حتى يكون المسلمون على استعداد وحتى يأخذوا أماكنهم المناسبة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الأحزاب لما جاء المشركون من كل حزب وصوب وتكالبوا على المؤمنين: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠)} [الأحزاب: ١٠]، لا شك أن المؤمنين في غاية التوكل على ربهم، فهم يتوكلون على الله تعالى حق توكله، لكن هناك أيضًا أمرًا مطلوبًا من المؤمنين: ألا وهو الأخذ بالأسباب، ومن الأسباب استشارة الرسول - رضي الله عنه - لأصحابه في ذلك، فأشار عليه سلمان الفارسي بما كان عنده من خبرة في بلاده التي قدم منها ليدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتمَّ له ما تمَّ فكان أحد أصحابه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عنه: "سلمان منا آلَ البيت" (١)، إذن أشار عليه بأن يحفر خندقًا (٢)، فحفر الخندق، فكان ذلك الخندق بين المؤمنين وبين الكافرين، وتعلمون بأن هذه كلها أسباب، وأن النصر كله لا يكون إلا بنصر الله سبحانه وتعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: ١٦٠]، إذن ينصركم الله، فمن ذا الذي يخذلكم؟! إذن، إذا نصر الله عباده المؤمنين فلا يستطيع أحد أن يقف أمامهم، ولذلك الخندق ما كان النهاية: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: ٩]، أرسل الله سبحانه وتعالى عليهم تلكم الريح، فكَفَأَتْ قدورهم وأطفأت نيرانهم، وأطاحت وأسقطت خيامهم وفرُّوا لا يلوون على شيء، من الذي هزمهم؟ إنما هو الله سبحانه وتعالى، فالمؤمنون لا قيمة لهم ولا مكانة إلا بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وطلب النصر منه وبذل كل الأسباب.


(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٦/ ٦٠٤٠) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٦/ ١٨٩): "فيه كثير بن عبد الله المزني، وقد ضعفه الجمهور، وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات ".
(٢) ذكر القصة ابن حجر في "فتح الباري" (٧/ ٣٩٢) قال: "وكان الذي أشار بذلك سلمان فيما ذكر أصحاب المغازي منهم أبو معشر، قال: قال سلمان للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا"، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق حول المدينة، وعمل فيه بنفسه ترغيبًا للمسلمين، فسارعوا إلى عمله حتى فرغوا منه ". ولم أقف على القصة مسنَدةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>