للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكُفْرِ، وَإِمَّا أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى المَعْنَى المُسْتَعَارِ. وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الكَافِرِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ مَعَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَشَيْءٌ مُفَارِقٌ لِلأصولِ، مَعَ أَنَّ الحَدِيثَ نَصٌّ فِي حَقِّ مَنْ يَجِبُ قَتْلُهُ كفْرًا أَوْ حَدًّا، وَلِذَلِكَ صَارَ هَذَا القَوْلُ مُضَاهِيًا لِقَوْلِ مَنْ يُكَفِّرُ بِالذُّنُوبِ).

ويشكل على المؤلف وغيره الأدلة التي توجب عموم المغفرة للموحد، وأنه داخل تحت المشيئة طالما حافظ على التوحيد؛ لأن الكافر لا يغفر له؛ كقوله الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]، والأحاديث الصحيحة الكثيرة جدًّا كقوله: "يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إيمَانٍ" (١)، وقوله: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ [فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ] كتَبَهُنَّ (أي: أوجبهن) اللَّهُ عَلَى العِبَادِ مَنْ أَتَى بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ" (٢).

ومال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" إلى القول بأن بعض الأمور التي قد يُكفَّر بها المسلم من الممكن أن تكون أيضًا داخلة تحت المغفرة كترك الصلاة؛ فهي- وإن سمي صاحبها كافرًا وحُكِم عليه بالكفر وقُتل- لا تصل إلى حدَّ من يشرك بالله -سبحانه وتعالى- (٣).


(١) أخرجه الترمذي (٢٥٩٨) وغيره عن أبي سعيد، وصححه الألباني في "الصحيحة" (٢٤٥٠).
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) يُنظر: "نيل الأوطار" للشوكاني (١/ ٣٦٥): "والحديث ساقه المصنف للاستدلال به على عدم كفر من ترك الصلاة وعدم استحقاقه للخلود في النار لقوله: (إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له)، وقد عرفناك في الباب الأول أن الكفر أنواع: منها ما لا ينافي المغفرة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرًا، وهو يدلُّ على عدم استحقاق كل تارك للصلاة للتخليد في النار".

<<  <  ج: ص:  >  >>