للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّخْيِيرُ فِي قَتْلِهِ، أَوْ صَلْبِهِ، أَوْ قَطْعِهِ مِنْ خِلَافٍ، وَأَمَّا إِذَا أَخَافَ السَّبِيلَ فَقَطْ، فَالإِمَامُ عِنْدَهُ مُخَيَّرٌ فِي قَتْلِهِ، أَوْ صَلْبِهِ، أَوْ قَطْعِهِ، أَوْ نَفْيِهِ. وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ عِنْدَهُ أَنَّ الأَمْرَ رَاجِعٌ فِي ذَلِكَ إِلَى اجْتِهَادِ الإِمَامِ؛ فَإِنْ كَانَ المُحَارِبُ مِمَّنْ لَهُ الرَّأْيُ وَالتَّدْبِيرُ، فَوَجْهُ الِاجْتِهَادِ قَتْلُهُ أَوْ صَلْبُهُ؛ لِأَنَّ القَطْعَ لَا يَرْفَعُ ضَرَرَهُ. وَإِنْ كَانَ لَا رَأْيَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ ذُو قُوَّةٍ وَبَأْسٍ - قَطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ كانَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ أَخَذَ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ فِيهِ، وَهُوَ الضَّرْبُ وَالنَّفْيُ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ (١)، وَأَبُو حَنِيفَةَ (٢)، وَجَمَاعَةٌ (٣) مِنَ العُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ العُقُوبَةَ هِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الجِنَايَاتِ


(١) يُنظر: " أسنى المطالب " لزكريا الأنصاري (٤/ ١٥٤) حيث قال: " (فمَنْ أخاف الطريق ولم يأخذ) مالًا ولا نفسًا (أو كان ردءًا) للقاطع أي: عونًا له كأن كثر جمعه أو أخاف الرفقة (عزر بحبس أو نحوه) كتغريبٍ كما في سائر الجرائم التي لا حَدَّ فيه، ويمتدُّ الحبس ونحوه إلى أن تظهر توبته، والحبس في غير موضعه أولَى؛ لأنه أحوط وأبلغ في الزجر (وإن أخذ نصابًا ممن يحرزه، قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، فإن عاد) ثانيًا، وأخذ ذلك (فعكسه) أي: فتقطع يده اليسرى ورجله اليمنى ".
(٢) يُنظر: " الاختيار لتعليل المختار " لابن مودود الموصلي (٤/ ١١٤) حيث قال: " إذا خرج جماعة لقطع الطريق أو واحد، فأخذوا قبل ذلك، حبسهم الإمام حتى يتوبوا، وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي وأصاب كل واحدٍ منهم نصاب السَّرقة، قطع أيديهم وأرجلهم من خِلَافٍ، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالًا، قتلهم ولا يلتفت إلى عفو الأولياء)؛ لأنه إنما يقتلهم حدًّا حقًّا لله تعالى، ولا يصح العفو عن حقوق الله تعالى. (وإن قتلوا وأخذوا المال، قطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ، وقتلهم وصلبهم، أو قتلهم)، يعني من غير قطع (أو صلبهم) من غير قطع ".
(٣) مثل الحسن وقتادة والسدي، يُنظر: " الأحكام السلطانية " للماوردي (ص ١٠٦) حيث قال: " والمذهب الثالث: أنها مرتبة باختلاف أفعالهم لا باختلاف صفاتهم، فَمَنْ قتل وأخذ المال، قتل وصلب، ومَنْ قتل ولم يأخذ المال، قتل ولم يصلب، ومَنْ أخذ المال ولم يقتل، قطعت يده ورجله من خلافٍ، ومن كثر وهيب ولم يقتل ولم يأخذ المال، عزر ولم يقتل ولم يقطع، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة والسدي ".

<<  <  ج: ص:  >  >>