للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَعْلُومِ مِنَ الشَّرْعِ تَرْتِيبُهَا عَلَيْهِ، فَلَا يُقْتَلُ مِنَ المُحَارِبِينَ إِلَّا مَنْ قَتَلَ، وَلَا يُقْطَعُ إِلَّا مَنْ أَخَذَ المَالَ، وَلَا يُنْفَى إِلَّا مَنْ لَمْ يَأْخُذِ المَالَ وَلَا قَتَلَ. وَقَالَ قَوْمٌ (١): بَلِ الإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ عَلَى الإِطْلَاقِ، وَسَوَاءٌ قَتَلَ أَوْ لَمْ يَقْتُلْ، أَخَذَ المَالَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَسَبَبُ الخِلَافِ هَلْ حَرْفُ " أَوْ " فِي الآيَةِ لِلتَّخْيِيرِ أَوْ لِلتَّفْصِيلِ عَلَى حَسَبِ جِنَايَاتِهِمْ؟ وَمَالِكٌ حَمَلَ البَعْضَ مِنَ المُحَارِبِينَ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَالبَعْضَ عَلَى التَّخْيِيرِ).

اختَلَف أهل العلم في حرف " أَوْ " في قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: ٣٣]، هل هو للترتيب أو للتخيير، وقد مَرَّ نحو هذا الخلاف في كتاب (الأيمان) عند ذكر كفَّارة اليمين، وأُثِرَ عن ابن عبَّاس (٢) - رضي الله عنهما - أنه قال: " كل ما جاء في القرآن بلفظ " أو "، فهو على التخيير ".

فَذَهب مالكٌ (٣) رَحِمَهُ اللهُ إلى أنه إن قتل، فلا بد من قتله، وليس للإمام تخيير في قطعه، ولا في نفيه.

قلت: أمَّا قَتْله، فَهَذا موضعُ اتِّفاقٍ بين أهل العلم.

وقوله: " وليسَ للإمَام تخييرٌ في قطعه، ولا في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه "، يعني: ليس للإمام أن يعدل عن القتل إلى النفي أو


(١) مثل سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد، يُنظر: " الأحكام السلطانية " للماوردي (ص ١٠٦) حيث قال: " أنَّ الإمام وَمَن استنابه على قتالهم من الولاة بالخيار بين أن يقتل ولا يصلب، وبين أن يقتل ويصلب، وبين أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ، وبين أن ينفيهم من الأرض، وهذا قول سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء ".
(٢) أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (١٠/ ٥٩) عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: " كل شيء في القرآن أو أو، فهو مخيرٌ، فإذا كان لم يجد، فهو الأول الأول ".
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>