للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضًا قدَّم الله تعالى القتلَ على الصلب، ولا عقوبة أشد ولا أعظم من القتلِ، والصَّلبُ داخلٌ فيه.

ثمَّ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بالإحسان في القتل حتى مع الحيوان قال: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة - وفي رواية: فأحسنوا القتل (١) وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته " (٢)، فالإحسان إلى الإنسان إذا استوجب القتل من باب أولى، فإذا صُلبَ وهو حيٌّ، فإن ذلك نوعٌ من المثلة، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها (٣)، فينبغي أن يقتل أولًا ثم يصلب؛ لأن الغرض من الصَّلب ليس هو المحارب نفسه، وإنما القصد أن يشتهر أمره ليعتبر غيره، وهذا حاصلٌ بالصَّلب بعد القتل.

وذهب مالك (٤)، وأبو حنيفة (٥)، واختاره ابن القاسم وابن الماجشون (٦) من المالكية أنه يصلب أولًا، ثم يقتل، أي: أنه يقتل مصلوبًا بأن يطعنَ بحَرْبةٍ.

وإنما قالوا بالصلب قبل القتل لأن الله سبحانه جعل الصلب عقوبة له، كما قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: ٣٣]، والذي يعاقب إنما هو الحي لا الميت، فلا بد أن يكون الصلب حالَ حياته كي يشعر بتلك العقوبة … هذا أولًا.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (٥/ ٤٥٥).
(٢) أخرجه مسلم (١٩٥٥).
(٣) أخرجه البخاري (٤١٩٢) قال قتادة: بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك كان يحثُّ على الصدقة، وينهى عن المثلة.
(٤) يُنظر: " شرح مختصر خليل " للخرشي (٨/ ١٠٥) حيث قال: " الثاني أن يصلب حيًّا بأن يربط على جذع من غير تنكيسٍ، ثم يقتل بعد ذلك ".
(٥) يُنظر: " مختصر القدوري " (ص ١٤٢) حيث قال: " يصلب حيًّا، ويبعج بطنه بالرمح إلى أن يموت، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام ".
(٦) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>