للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما من لا تأويل لهم، فهم المحاربون، وهؤلاء يبين الله تعالى حكمهم بقوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] الآية.

أمَّا المتأوِّلون، فَهُمُ الَّذين يَتَمسَّكون ببعض الشبهات، وقد يكونون في الأصل على ضلالة كالخوارج الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: " سيكون في آخر الزمان أناس أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وصيامكم عند صيامهم، يمرقون من الدِّين كما يمرق السهم من الرمية، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم " (١).

وَالخُرُوجُ على الإمام لا يجوز ولو كان فاسقًا (٢)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) أخرجه البخاري (٦٩٣٠)، ومسلم (١٠٦٦).
(٢) لَيْسَت من المسائل المجمع عليها، بل فيها خلافٌ بين أهل العلم:
قال ابْنُ حَزْم في " مراتب الإجماع " (ص ١٧٧، ١٧٨): " وَرَأيتُ لبعضِ مَن نصبَ نفسَه للإمامة والكلام في الدين فصولًا ذكر فيها الإجماع، فأتى فيها بكَلَامٍ لو سكت عنه لكان أسلمَ له في أخراه، بل الخرسُ كانَ أسلمَ له، وهو ابنُ مجاهَد البصري المتكلم الطائي لا المقرئ، فإنه ادَّعى فيه الإجماعَ أتهم أجْمَعوا على أنه لا يُخرَجُ على أئمة الجَوْرِ، فاستعظمتُ ذلك، ولعمري إنه لعظيمٌ أنْ يكون قد عَلِمَ أنَّ مُخَالِفَ الإجماع كافرٌ، فيُلقي هذا إلى الناس، وقد عَلِمَ إنَّ أفاضلَ الصحابة وبقيَّة السلف يومَ الحرَّةِ خَرَجوا على يزيد بن معاوية، وأنَّ ابن الزبير ومَنْ تابعه من خيار الناس خَرَجوا عليه … أترى هؤلاء كفروا؟ بل - واللهِ - مَنْ كفَّرهم فَهُو أحقُّ بالكفرِ منهم، ولعَمْري لو كان اختلافًا يخفى لعذرناه، ولكنه مشهورٌ يعرفه أكثرُ مَنْ في الأسواق، والمخدَّراتُ في خُدورِهِنَّ لاشتهاره، ولكن يحقُّ على المرء أن يَخطِمَ كلامَه، وَيزُمَّه إلا بعد تحقيقٍ ومَيْزٍ، ويعلم أن الله تعالى بالمرصاد، وأن كلام المرءِ محسوبٌ مكتوبٌ مسؤولٌ عنه يومَ القيامة، مُقَلدًا أجرَ مَنِ اتَّبعه عليه أَوْ وزرَه ".
وما ذكره الشارح هو مذهب الحنابلة، يُنظر: " الأحكام السلطانية " لأبي يعلى الفراء (ص ٢٠، ٢١) حيث قال: " فإن كان جرحًا في عدالته وهو الفسق؛ فإنه لا يمنع من استدامة الإمامة، سواء كان متعلقًا بأفعال الجوارح، وهو ارتكاب المحظورات، وإقدامه على المنكرات اتباعًا لشهوته، أو كان متعلقًا بالاعتقاد، وهو المتأول لشبهة تعرض يذهب فيها إلى خلاف الحق، وهذا ظاهر كلامه في رواية المروزي في الأمير =

<<  <  ج: ص:  >  >>