للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الشرف، فإن التعلُّق به أخطر من التعلُّق بالمال، والشرف هو المنصب والولاية أيًّا كانت، ولذَا ترى من الناس مَنْ يسعى إليه ولو ببذل الأموال، والذي يطلب المنصب عادةً يتطلع إلى العلو والرفعة، وربما يجرُّه ذلك إلى العجب والكبر والخيلاء، فَيقَع في مُنَازعة الله سبحانه وتعالى، أما الذي يذل لله تعالى، ويَبْتعد عن هذه الأمور، فلو ابتلي فإن الله تعالى يوفقه بخلاف الذي يتهافت إلى هذه الأمور، ويتسابق إليها، لذَا رَأيْنَا أكابرَ أهل العلم يُعْرضون عن الدنيا ومناصبها؛ لأنهم يعلمون أنها حبائل الشيطان، كما فعل الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ بعد أن امتحن في محنة خَلْق القرآن، فَصَبر، فكان خيرًا له، فلما أظهر الله الحق، وعرض عليه الخليفة ما يريد من الدنيا، أبَى رَحِمَهُ اللهُ.

* قوله: (قَالَ: وَإِذَا تَنَازَعَ الخَصْمَانِ فِي اخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا، وَجَبَ أَنْ يَقْتَرِعَا عِنْدَهُ).

هذا مذهب الجمهور (١)، أنهما إذا رضيا بشخصٍ حَكَمًا، فإن حكمه فيهم يكون نافذًا.

وَهَذِهِ مسألةٌ مهمةٌ لها علاقة بحديث أبي شريح عندما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنَّ الله هو الحكم، فلمَ تكنى بالحكم "، قال: كان قومي إذا اختلفوا في شيءٍ أتوا إليَّ، فقضيت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مَا أحسنَ هذا! فما لك من الولد؟ ". قال: شريح ومسلم وعبد الله. قال: " فمَنْ أكبرهم؟ ". قال: شريح. قال: " فأنت أبو شريح " (٢).

وهذا من لطف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع الناس، فانظر كيف بدأه بقوله: " إنَّ اللهَ هو الحَكَم، فلم تكنى بالحكم "، فما نَهَره، ولا مَنَعه، ولم يقل له: كيفَ تُشَارك الله تعالى في اسمٍ من أسمائه، أو في وَصْفٍ من


(١) سيأتي تفصيلها في مسألة تحكيم من رضيه المتداعيان بعد قليل.
(٢) أخرجه أبو داود (٤٩٥٥)، وصحَّحه الأَلْبَانيُّ في " إرواء الغليل " (٢٦٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>