للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوصافه، بل سأله عن السبب، ثم أرشدَه، فنفذ إلى قلبه بأسلوبٍ حكيمٍ، ثم وَجَّهه التوجيه السليم، فاستطاع أن يُخْرجه مما لا يجوز إلى ما يجوز، وكان راضي النفس مطمئنًّا.

إذًا، إذا رضي اثنان أن يحكم بينهما شخصٌ، فجمهور العلماء (١) على الأخذ بحكمه؛ لهذا الحديث، فإن فيه إقرارَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الفعل.

* قوله: (وَأَمَّا فَضَائِلُ القَضَاءِ فَكَثِيرَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا النَّاسُ فِي كُتُبِهِمْ).

لا شكَّ بأنَّ القضاءَ له فضائلُ متعددةٌ، ومنها:

أَوَّلًا: أن سلف القضاة هو النبي - صلى الله عليه وسلم - سيد القضاة وإمامهم، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي بين الناس في الدماء والخصومات، وفي سائر الحقوق والأموال، وكذا الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام، كانوا يحكمون في أتباعهم.

ثانيًا: اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء، وإرساله القضاة إلى الأمصار، فقد أرسل عليًّا قاضيًا إلى اليمن (٢)، وكذا معاذًا - رضي الله عنه -، وقضى بين يديه بعض أصحابه كالخلفاء الراشدين.

ثالثًا: أن العبدَ يُثَاب على إصلاحه بين الناس، وعلى رَدِّ المظالم إلى أهلها إذا نوى بذلك التقرُّب إلى الله، وهذا عين عمل القاضي.

رَابعًا: ما أعَدَّه الله عز وجل للقاضي إذا عدَل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " القُضَاة ثلاثةٌ: قاضٍ في الجنة " وهو " من علم الحق فقضى به " (٣)، وقال - صلى الله عليه وسلم -:


(١) سيأتي خلاف العلماء عند قوله: " وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا البَاب فِي نُفُوذِ حُكْمِ مَنْ رَضِيَهُ … ".
(٢) أخرجه أبو داود (٣٥٨٢)، عن عليٍّ - رضي الله عنه -، قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضيًا … وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في " إرواء الغليل " (٢٥٠٠).
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>