على نحو مما يسمع، وربما يكون أحد الخصمين أقوى حجةً من الآخر، والحجة لها تأثير، - كما بينَّا ذلك، ولكنه يقضي بينهما، وقد يكون الحق للمقضي عليه، ولكن ذلك إما أنه حَكم له؛ لأنه أقوى حجة، أو لأنه جاء بشهود، والشهود إنما هم شهود زور؛ فالقاضي يقضي على حسب الأدلة الظاهرة، والشهود العدول عدول ما لم يثبت له ما يقدح في عدالتهم، فهو يقضي على مقتضى ذلك.
ومن هنا يظهر الفرق بين هذه الشريعة الإسلامية العظيمة وغيرها، فهذه الشريعة قد أنزلها علام الغيوب، الذي يعلم ما يُصلِحُ عباده، وما تستقيم به أمورهم، وتصلح به معيشتهم في هذه الحياة الدنيا، وما يأخذ بهم إلى جنات النعيم في الآخرة.
فرق بين هذه الشريعة، وبين ذلك القانون الذي يُوضع اليوم، وَيُغَيَّرُ غدًا، ينتقل من حال إلى حال؛ لأن الناس مهما سمت عقولهم إلى المعرفة، ومهما أوتوا من الذكاء والفطنة، فإنهم لا يستطيعون أن يصلوا إلى ما يضاهي علم هذه الشريعة، فهذه الشريعة هي الغاية التي أرادها اللّه سبحانه وتعالى في هذا الكون، فربما يصيب الإنسان في أمر من الأمور، لكنه لا يصيب في كل الأمور؛ لأنه بشر عقله محدود، ولذلك تجد أن الناس يحتالون على القانون، يخرجون من هاهنا وهاهنا، لكن في هذه الشريعة تجد أن الذي يأكل حق غيره، أو يتعدى على الآخرين، على حرماتهم وأموالهم، يعيش في عذاب الضمير، يتقلب على مثل الإبر التي يحس لدغها في قلبه، وفي جسمه؛ لأنه يدرك بإيمانه أنه قد تعدى، وأنه قد أخذ غير حقه، قد يتظاهر بأنه سعيد، ولكن الآلام والجروح تظل تدمي كل حياته؛ لأنه خرج عن شرع اللّه فتعدى:"إن اللّه فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها"(١)، قال سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا
(١) أخرجه الدارقطني في "السنن" (٥/ ٣٢٥) وغيره، عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - "إن الله عَزَّ وَجَلَّ فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرّم حرمات فلا =