للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، فهو بشر، وإذا كان بشرًا، فهو لا يعلم الغيب، والذي يعلم الغيب هو اللّه، إذًا الذي يستحق العبادة هو علام الغيوب، فهو وحده المتفرد بذلك - صلى الله عليه وسلم -، فهو المستحق أن يُعبد وحده، وهو كذلك المستحق بأن يوصف - صلى الله عليه وسلم - بصفات لا يشركه فيها غيره من. قمال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى: ١١].

ولا يحيطون به علمًا، وهو رب هذا الكون، الذي خلق هذا الكون، وأوجد الناس من العدم، وتفضل عليهم بالنعم، إلى غير ذلك: "إنما أنا بشر، ولعلكم تختصمون إلي"؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أعلنها صريحةً بأنه عبد من عباد اللّه، بأنه من هؤلاء الناس الذين يعيشون في هذا الكون الذي يعج (١) بالمخلوقات على هذه الأرض، ومعلوم أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - نشأ يتيمًا، مات أبوه وهو في بطن أمه، وماتت أمه وهو صغير، ثم كفله جده، فمات، ثم عمه أبو طالب، وكان - صلى الله عليه وسلم - يرعى الغنم لأهل مكة بقراريط، إذًا هو عبد، ولكن منزلته عند اللّه تعالى عظيمة، وبهذا نتبين أن مكانة الإنسان لا تكون بمظهره، ولا بكثرة ماله، ولا بعلو منصبه، ولا بشرفه:

لئنْ فخَرْت بآباء لهم شرفٌ … لقد صدَقْت ولكنْ بئس ما ولَدوا (٢)

قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣].

فمعيار التفاضل بين الناس هو التقوى، لا اللون ولا الجنس.

* قول: (فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ").

إذًا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يضع منهجًا واضحًا للقضاء، القاضي بشر، ويقضي


(١) العج: رفع الصوت. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ٣٢٧).
(٢) البيت لابن الرومي.

<<  <  ج: ص:  >  >>