للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد فضل أمته على سائر الأمم، وأنه قد جعل أمته شاهدة على الناس، وهو - صلى الله عليه وسلم - شهيد على أمته. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣]. يقول: "إنما"، وهي أداة حصر "أنا بشر" إذًا أنا واحد منكم أيها الناس، فلا ميزة لي عليكم، إِلَّا أن اللّه تعالى تفضل علي وأنعم، وكرمني بأن جعلني نبيًّا له، فهذه ميزة عظيمة، فاللّه تعالى قد أعطاه هذا الفضل، وأسدى إليه هذا الجميل، ولذلك كان يقوم - صلى الله عليه وسلم - من ليله حتى تتفطر قدماه، فيقال له: أليس اللّه قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: "أفلا أكون عبدًا شكورًا؟! " (١) هذا هو ما كان عليه الرسول: "إنما أنما بشر"؛ ولذلك يقول اللّه تعالى في افتتاح سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: ١].

وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تطروني" لا ترفعوني" كلما أطرت النصارى ابن مريم".

هناك من قال بأنه إله، ومنهم من قال بأنه ابن اللّه، "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد اللّه" (٢)، وما أجمل أن تقول: محمد بن عبد اللّه" فهي - بلا شك - كلمة عظيمة، فهو محمد بن عبد اللّه، وهو كذلك رسول اللّه، وَلِذلك خُيِّرَ بين أن يكون نبيًّا ملكًا أو عبدًا رسولًا، فاختار أن يكون عبدًا رسولًا (٣).


(١) أخرجه البخاري (٤٨٣٦)، ومسلم (٢٨١٩).
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٤٥).
(٣) أخرجه أحمد (٧١٦٠) عن أبي هريرة، قال: جلس جبريل إلى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال جبريل: "إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق، قبل الساعة". فلما نزل قال: "يا محمد، أرسلني إليك ربك، أفمَلِكًا نبيًّا يجعلك، أو عبدًا رسولًا؟ ". قال جبريل: "تواضع لربك يا محمد". قال: "بل عبدًا رسولًا". وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

<<  <  ج: ص:  >  >>