كرم فالكرم أولى به. تعني بقولها، أن أولى الأشياء بالإنسان طبائع نفسه وخصالها، فإذا كرمت فلا يضره لؤم أوّليته، وإن لؤمت فلا ينفعه كرم أوّليته.
وقال الشاعر:
نفس عصام سوّدت عصاما ... وعلّمته الكر والإقداما
وصيّرته ملكا هماما
وقال آخر:
مالي عقلي وهمّتي حسبي ... ما أنا مولى ولا أنا عربي
إن انتمى منتم إلى أحد ... فإنّني منتم إلى أدبي «١»
وتكلم رجل عند عبد الملك بن مروان بكلام ذهب فيه كل مذهب، فأعجب عبد الملك ما سمع منه، فقال: ابن من أنت يا غلام؟ قال: ابن نفسي يا أمير المؤمنين التي نلت بها هذا المقعد منك! قال: صدقت!.
وقال النبي عليه الصلاة والسّلام:«حسب الرجل ماله، وكرمه دينه» .
وقال عمر بن الخطاب: إن كان لك مال فلك حسب، وإن كان لك دين فلك كرم.
وما رأيت أعجب من ابن قتيبة في كتاب تفضيل العرب؛ إنه ذهب فيه كل مذهب من فضائل العرب، ثم ختم كتابه بمذهب الشعوبية، فنقض في آخره كل ما بنى في أوله؛ فقال في آخر كلامه؛ وأعدل القول عندي أن الناس كلهم لأب وأمّ، خلقوا من تراب، وأعيدوا إلى التراب، وجروا في مجرى البول، وطرأ عليهم الأقذار؛ فهذا نسبهم الأعلى الذي يرتدع به أهل العقول عن التّعظّم والكبرياء، والفخر بالآباء، ثم إلى الله مرجعهم فتنقطع الأنساب، وتبطل الأحساب، إلا من كان حسبه التقوى، أو كانت ماتّته «٢» طاعة الله.