وكأنما يومي إليك بطرفه ... عن جمرتين بجملد منقور «١»
[باب من أخبار الشعراء]
حدث دعبل الشاعر أنه اجتمع هو ومسلم وأبو الشيص وأبو نواس في مجلس، فقال لهم أبو نواس: إن مجلسنا هذا قد شهر باجتماعنا فيه، ولهذا اليوم ما بعده فليأت كلّ واحد منكم بأحسن ما قال فلينشده. فأنشده أبو الشيص فقال:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبّا لذكرك فليلمني اللّوم
وأهنتني فأهنت نفسي صاغرا ... ما من يهون عليك ممن أكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبّهم ... إذ كان حظّي منك حظّي منهم
قال: فجعل أبو نواس يعجب من حسن الشعر حتى ما كاد ينقضي عجبه، ثم أنشده مسلم أبياتا من شعره الذي يقول فيه:
فأقسم أنسى الدّاعيات إلى الصّبا ... يمينا وقد فاجأت والسّتر واقع
فغطّت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع «٢»
قال دعبل: فقال لي أبو نواس: هات أبا علي، وكأني بك قد جئتنا بأم القلادة.
فقلت: يا سيدي، ومن يباهيك بها غيري فأنشدته:
أين الشّباب وأيّة سلكا ... أم أين يطلب ضلّ أم هلكا
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
يا ليت شعري كيف صبركما ... يا صاحبيّ إذا دمي سفكا
لا تطلبا بظلامتي أحدا ... قلبي وطرفي في دمي اشتركا
ثم سألناه أن ينشد، فأنشد أبو نواس: