وكتب أمية بن يزيد عنه كتابا إلى بعض عماله يستقصره فيما فرّط فيه من عمله، فأكثر وأطال الكتاب، فلما لحظه عبد الرحمن أمر بقطعه «١» ، وكتب:
أمّا بعد، فإن يكن التقصير لك مقدّما يعدّ الاكتفاء أن يكون لك مؤخرا، وقد علمت بما تقدّمت، فاعتمد على أيهما أحببت.
وكان ثار عليه ثائر بغربيّ بلدة «٢» ، فغزاه به وأسره، فبينما هو منصرف وقد حمل الثائر على بغل مكبولا، نظر إليه عبد الرحمن بن معاوية وتحته فرس له، فقنّع «٣» رأسه بالقناة، وقال: يا بغل، ماذا تحمل من الشقاق والنفاق! قال الثائر: يا فرس، ماذا تحمل من العفو والرحمة! فقال له عبد الرحمن: والله لا تذوق موتا على يدي أبدا.
[هشام بن عبد الرحمن]
ثم ولى هشام بن عبد الرحمن لسبع خلون من جمادي الآخرة سنة اثنتين وسبعين ومائة. ومات في صفر سنة ثمانين ومائة. وكانت ولايته سبع سنين وعشرة أشهر.
ومات وهو ابن إحدى وثلاثين سنة.
وهو أحسن الناس وجها، وأشرفهم نفسا، الكامل المروءة، الحاكم بالكتاب والسنة، الذي أخذ الزكاة على حلها، ووضعها في حقها، لم يعرف منه هفوة في حداثته، ولا زلة في أيام صباه، ورآه يوما أبوه وهو مقبل ممتليء شبابا فأعجبه فقال:
يا ليت نساء بني هاشم أبصرنه حتى يعدن فوارك «٤» .
وكان هشام يصر الصّرر بالأموال في ليالي المطر والظّلمة، ويبعث بها إلى المساجد فيعطى من وجد فيها؛ يريد بذلك عمارة المساجد.