فبلغهم خروج مسلم بن عقبة إلى المدينة وقتله أهل حرّة، وأنه مقبل إلى مكة، فقالوا: يجب علينا أن نمنع حرم الله منهم ونمتحن ابن الزبير، فإن كان على رأينا تابعناه. فلما صاروا إلى ابن الزبير عرّفوه أنفسهم وما قدموا له، فأظهر لهم أنه على رأيهم، حتى أتاهم مسلم بن عقبة وأهل الشام، فدافعوه إلى أن يأتي رأي يزيد بن معاوية، ولم يتابعوا ابن الزبير؛ ثم تناظروا فيما بينهم، فقالوا: ندخل إلى هذا الرجل فننظر ما عنده، فإن قدّم أبا بكر وعمر وبرىء من عثمان وعليّ وكفّر أباه وطلحة بايعناه؛ وإن تكن الأخرى ظهر لنا ما عنده فتشاغلنا بما يجدي علينا. فدخلوا على ابن الزبير وهو متبذّل «١» وأصحابه متفرّقون عنه، فقالوا له: إنا جئناك لتخبرنا رأيك، فإن كنت على صواب بايعناك، وإن كنت على خلاف دعوناك إلى الحق؛ ما تقول في الشيخين؟ قال: خيرا، قالوا: فما تقول في عثمان الذي حمى الحمى «٢» ، وآوى الطريد، وأظهر لأهل مصر شيئا وكتب بخلافه، وأوطأ آل بني معيط رقاب الناس وآثرهم بفيء المسلمين؛ وفي الذي بعده الذي حكّم الرجال في دين الله وأقام على ذلك غير تائب ولا نادم؛ وفي أبيك وصاحبه وقد بايعا عليّا، وهو إمام عادل مرضي لم يظهر منه كفر، ثم نكثا بيعته وأخرجا عائشة تقاتل، وقد أمرها الله وصواحبها أن يقرن «٣» في بيوتهن، وكان لك في ذلك ما يدعوك إلى التوبة؛ فإن أنت قبلت كلّ ما نقول لك الزّلفى عند الله، والنصر على أيدينا إن شاء الله، ونسأل الله لك التوفيق، وإن أبيت خذلك الله وانتصر منك بأيدينا.
فقال ابن الزبير: إن الله أمر وله العزّة والقدرة في مخاطبة أكفر الكافرين وأعتى العاتين بأرقّ من هذا القول؛ قال لموسى وأخيه صلى الله عليهما: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى، فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى