فما يجوز اليوم إلّا امرؤ ... مستحكم العزف أو الشّدو
أو طرمذان قوله كاذب ... لا يفعل الخير ولا ينوي «١»
ومن قولنا في هذا المعنى:
رجاء دون أقربه السّحاب ... ووعد مثل ما لمع السّراب
ودهر سادت العبدان فيه ... وعاثت في جوانبه الذّئاب
وأيام خلت من كلّ خير ... ودنيا قد توزّعها الكلاب
كلاب لو سألتهم ترابا ... لقالوا: عندنا انقطع التّراب
تعاقب من أساء القول فيهم ... وإن يحسن فليس له ثواب
[للجاحظ في ذم الزمان:]
كتب عمرو بن بحر الجاحظ إلى بعض إخوانه في ذم الزمان:
بسم الله الرحمن الرحيم. حفظك الله حفظ من وفّقه للقناعة، واستعمله بالطاعة كتبت إليك وحالي حال من كثفت غمومه، وأشكلت عليه أموره، واشتبه عليه حال دهره، ومخرج أمره، وقلّ عنده من يثق بوفائه، أو يحمد مغبّة إخائه، لاستحالة زماننا، وفساد أيامنا، ودولة أنذالنا، وقدما كان من قدّم الحياء على نفسه، وحكّم الصدق في قوله، وآثر الحقّ في أموره، ونبذ المشتبهات عليه من شئونه. تمت له السلامة، وفاز بوفور حظّ العافية، وحمد مغبّة مكروه العاقبة، فنظرنا إذ حال عندنا حكمه، وتحولت دولته. فوجدنا الحياء متصلا بالحرمان، والصدق آفة على المال، والقصد في الطلب بترك استعمال القحة «٢» وإخلاق العرض من طريق التوكل دليلا