جائيا من عنده، فقلت: من أين أبا حزرة؟ قال: من عند أمير يعطي الفقراء ويمنع الشعراء قلت: فما ترى فإني خرجت إليه؟ قال: عوّل عليه في مال ابن السبيل كما فعلت. فانطلقت فوجدته قاعدا على كرسيّ في عرصة «١» داره، قد أحاط الناس به فلم أجد إليه سبيلا للوصول، فناديت بأعلى صوتي:
يا عمر الخيرات والمكارم ... وعمر الدّسائع العظائم «٢»
إني امرؤ من قطن بن دارم ... أطلب حاجي من أخي مكارم
إذ ننتجي والليل غير نائم ... في ظلمة الليل وليلي عاتم
عند أبي يحيى وعند سالم
فقام أبو يحيى ففرّج لي، وقال: يا أمير المؤمنين، إن لهذا البدويّ عندي شهادة عليك. قال: أعرفها، ادّن مني يا دكين، أنا كما ذكرت لك أن لي نفسا توّاقة، وأن نفسي تاقت إلى أشرف منازل الدنيا، فلما أدركتها وجدتها تتوق إلى الآخرة؛ والله ما رزأت من أمور الناس شيئا فأعطيك منه، وما عندي إلا ألفا درهم، أعطيك أحدهما. فأمر لي بألف درهم. فو الله ما رأيت ألفا كانت أعظم بركة منها.
[وفود كثير والأحوص ونصيب على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه]
حماد الراوية قال: قال لي كثير عزّة: ألا أخبرك عما دعاني إلى ترك الشعر؟ قلت:
نعم. قال: شخصت أنا والأحوص ونصيب إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وكل واحد منا يدل عليه بسابقة وإخاء قديم، ونحن لا نشك أن سيشركنا في خلافته، فلما رفعت لنا أعلام خناصرة «٣» ، لقينا مسلمة بن عبد الملك، وهو يومئذ