فقال: يا جرير، والله لقد وليت هذا الأمر وما أملك إلا ثلاثمائة، فمائة أخذها عبد الله، ومائة أخذتها أمر عبد الله، يا غلام أعطه المائة الباقية.
فقال: والله يا أمير المؤمنين، إنها لأحبّ مال إليّ كسبته. ثم خرج، فقالوا له: ما وراءك؟ قال ما يسوءكم! خرجت من عند أمير يعطي الفقراء ويمنع. الشعراء، وإني عنه لراض. ثم أنشأ يقول:
رأيت رقى الشيطان لا تستفزّه ... وقد كان شيطاني من الجنّ راقيا «١»
[وفود نابغة بني جعدة على ابن الزبير رحمه الله تعالى]
الزبير بن بكار قاضي الحرمين، قال: أقحمت السّنة نابغة بني جعدة، فوفد إلى ابن الزّبير، فدخل عليه في المسجد الحرام، ثم أنشده:
حكيت لنا الصّدّيق لمّا وليتنا ... وعثمان والفاروق فارتاح معدم
وسوّيت بين الناس في الحقّ فاستووا ... فعاد صباحا حالك الّلون مظلم
أتاك أبو ليلى يجوب به الدّجى ... دجى الليل جوّاب الفلاة عثمثم «٢»
لتجبر منه جانبا زعزعت به ... صروف الليالي والزّمان المصمّم
فقال له ابن الزبير: هوّن عليك أبا ليلى، فالشعر أدنى وسائلك عندنا؛ أما صفوة أموالنا فلآل الزبير، وأما عفوته «٣» فإن بني أسد وتيما تشغلها عنك، ولكن لك في مال الله سهمان: سهم برؤيتك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسهم بشركتك المسلمين في فيئهم. ثم أخذ بيده ودخل به دار النّعم، فأعطاه قلائص سبعا، وجملا رحيلا، وأوقر «٤» له