قالوا: الناس شجرة بغي. لا سبيل إلى السلامة من ألسنة العامة. ورضا الناس غاية لا تدرك.
ومنه الحديث المرفوع:«الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة» .
ومنه قولهم: الناس يعيّرون ولا يغفرون، والله يغفر ولا يعيّر.
وقال مالك بن دينار: من عرف نفسه لم يضره قول الناس فيه.
وقول أبي الدرداء: إن قارضت الناس قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك.
[الجبان وما يذم من أخلاقه]
منه قولهم: إنّ الجبان حتفه من فوقه. وهو قول عمر بن مامة:
لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... إنّ الجبان حتفه من فوقه
قال أبو عبيد: أحسبه أراد أن حذره وتوقّيه ليس بدافع عنه المنيّة. وهذا غلط من أبي عبيد عندي، والمعنى فيه أنه وصف نفسه بالجبن، وأنه وجد الموت قبل يذوقه، وهذا من الجبن، ثم قال: إنّ الجبان حتفه من فوقه يريد أنه نظر إلى منيته كأنما تحوم على رأسه.
كما قال تبارك وتعالى في المنافقين إذ وصفهم بالجبن: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ
«١» .
وقال جرير للأخطل يعيّره إيقاع قيس بهم:
حملت عليك رجال قيس خيلها ... شعثا عوابس تحمل الأبطالا
ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم ... خيلا تكر عليكم ورجالا
ولو كان الأمر كما ذهب إليه أبو عبيد ما كان معناه يدخل في هذا الباب؛ لأنه باب الجبان وما يذم من أخلاقه، وليس الأخذ في الحذر من الجبن في شيء، لأن أخذ