الذي سقط من فم الرجل فأكله، فالتفت إليه الرجل فقال: يا أمير المؤمنين، أما الدنيا فهي أقلّ وأيسر من أن أتركها لك، والله لأتركن في مرضاتك الدنيا والآخرة.
[المنصور وهاشمي والربيع حاجبه:]
وحدّث إبراهيم بن السندي قال: كان فتى من بني هاشم يدخل على المنصور كثيرا، يسلم من بعيد وينصرف، فأتاه يوما فأدناه، ثم دعاه إلى الغذاء. فقال: قد تغدّيت! فأمهله الرّبيع حاجب المنصور حتى ظن أنه لم يفهم الخطيئة، فلما انصرف وصار وراء الستر دفعه في قفاه، فلما رأى من الحاجب دفعه في قفاه، شكا الفتى حالته وما ناله إلى عمومته، فأقبلوا من غد إلى أبي جعفر، وقالوا: إن الربيع نال من هذا الفتى كذا وكذا. فقال لهم أبو جعفر: إن الربيع لا يقدم على مثل هذا إلا وفي يده حجة، فإن شئتم أمسكنا عن ذلك وأغضينا، وإن شئتم سألته وأسمعتكم. قالوا:
بل يسأله أمير المؤمنين ونسمع. فدعاه فسأله، فقال: إن هذا الفتى كان يأتي فيسلّم وينصرف من بعيد؛ فلما كان أمس أدناه أمير المؤمنين حتى سلّم من قرب؛ وتبذّل بين يديه ودعاه إلى غدائه؛ فبلغ من جهله بحق المرتبة التي أحلّه فيها أن قال: قد تغديت. وإذا هو ليس عنده لمن أكل مع أمير المؤمنين وشاركه في يده إلا سدّ خلّة الجوع، ومثل هذا لا يقوّمه القول دون الفعل. فسكت القوم وانصرفوا.
وقال بكر بن عبد الله: أحق الناس بلطمة من أتى طعاما لم يدع إليه، وأحق الناس بلطمتين من يقول له صاحب البيت: اجلس ها هنا. فيقول: لا، ها هنا، وأحق الناس بثلاث لطمات من دعي إلى طعام فقال لصاحب المنزل: ادع ربة البيت تأكل معنا.
وقال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: لا ينبغي للفتى أن يكون مكحلا؛ ولا مقبّبا، ولا مكوكبا، ولا شكامدا، ولا حرامدا، ولا تقامدا. ثم فسره فقال: أما المكحل، فالذي يتعرق العظم حتى يدعه كأنه مكحلة عاج، والمقّبب، فالذي يركّب