فجئت لانظر إليها؛ وكان بيني وبيها رواق: فدعت بجفنة عظيمة من الثريد «١» مكللة باللحم، فأتت على آخرها وألقت العظام نقية، ثم دعت بشنّ عظيم مملوءة لبنا، فشربته حتى أكفأته على وجهه، وقالت: يا جارية ارفعي السجف «٢» ، فإذا هي جالسة على جلد أسد، وإذا شابة جميلة؛ فقالت: يا عبد الله، أنا أسدة، من بني أسد، وعليّ جلد أسد، وهذا طعامي وشرابي؛ فعلام ترى؟ فإن أحببت أن تتقدم فتقدم، وإن أحببت أن تتأخر فتأخر! فقلت: أستخير الله في أمري وأنظر! قال: فخرجت ولم أعد!.
[جارية لأمية وراغب في زواجها]
قال: وحدثنا بعض اصحابنا ان جارية لأمية بن عبد الله بن خالد بن اسيد ذات ظرف وجمال، مرت برجل من بني سعد، وكان شجاعا فارسا، فلما رآها قال: طوبى لمن كانت له امرأة مثلك! ثم إنه أتبعها رسولا يسألها: ألها زوج؟ ويذكره لها؛ فقالت للرسول: ما حرفته؟ فأبلغه الرسول قولها: فقال: ارجع اليها فقل لها:
وسائلة ما حرفتي؟ قلت: حرفتي ... مقارعة الابطال في كلّ شارق
إذا عرضت لي الخيل يوما رأيتني ... أمام رعيل الخيل أحمي حقائقي
وأصبر نفسي حين لا حرّ صابر ... على ألم البيض الرّقاق البوارق
فأنشدها الرسول ما قال، فقالت له: ارجع اليه وقل له: انت أسد فاطلب لنفسك لبوة، فلست من نسائك! وأنشدت هذه الأبيات:
ألا إنما أبغي جوادا بماله ... كريما محيّاه قليل الصدائق
فتى همّه مذ كان خود كريمة ... يعانقها بالليل فوق النمارق «٣»