فأشار إلى واحدة منها فرماها فأقصدها، ثم اشتويا وأكلا، فلما انقضى طعامهما فوّق له الأعرابي سهما ثم قال له: أين تريد أن أصيبك؟ فقال له: اتق الله واحفظ زمام الصحبة. قال: لابد منه! قال له: اتق الله ربك واستبقني، ودونك البغل والخرج فإنه مترع مالا. قال: فاخلع ثيابك. فانسلخ من ثيابه ثوبا ثوبا حتى بقي مجرّدا. قال له:
اخلع أمواقك «١» . وكان لابسا خفّين طائفيّين، فقال له: اتق الله فيّ ودع لي الخفين أتبلّغ بهما من الحرّ، فإن الرّمضاء تحرق قدميّ. قال: لا بدّ منه. قال فدونك الخف فاخلعه. فلما تناول الخفّ، ذكر الرجل خنجرا كان معه في الخف، فاستخرجه ثم ضرب به صدره فشقه إلى عانته، وقال له: الاستقصاء فرقة. فذهبت مثلا. وكان هذا الأعرابي من رماة الحدق «٢» .
[بين لص ورام]
: وحدّث العتبي عن بعض أشياخه قال: كنت عند المهاجر بن عبد الله والى اليمامة، فأتي بأعرابي كان معروفا بالسرق فقال له: أخبرني عن بعض عجائبك. قال: عجائبي كثيرة، ومن أعجبها أنه كان لي بعير لا يسبق، وكانت لي خيل لا تلحق، فكنت أخرج فلا أرجع خائبا، فخرجت يوما فاحترشت «٣» ضبّا، فعلّقته على قتبي، ثم مررت بخباء ليس فيه إلا عجوز ليس معها غيرها، فقلت: يجب أن يكون لهذه رائحة من غنم وإبل. فلما أمسيت إذا بإبل مائة، وإذا شيخ عظيم البطن، شثن الكفين «٤» ، ومعه عبد أسود، فلما رآني رحب بي، ثم قام إلى ناقة فاحتلبها، وناولني العلبة. فشربت ما يشرب الرجل، فتناول الباقي فضرب به جبهته، ثم احتلب تسع أينق فشرب ألبانهن، ثم نحر حوارا «٥» فطبخه، فأكلت شيئا، وأكل الجميع حتى ألقى عظامه بيضا، وجثا على كومة من البطحاء وتوسدها ثم غط غطيط البكر. فقلت: