ولما مات الحجاج دخل الناس على الوليد يعزّونه ويثنون على الحجاج خيرا، وعنده عمر بن عبد العزيز: فالتفت إليه ليقول فيه ما يقول الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، وهل كان الحجاج إلا رجلا منا؟ فرضيها منه.
[أخبار البرامكة]
[لابن هارون فيهم:]
قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، حدثني سهل بن هرون، قال: والله إن كانوا سجعوا الخطب، وقرضوا القريض لعيال على يحيى بن خالد بن برمك وجعفر ابن يحيى؛ ولو كان كلام يتصور درّا، أو يحيله المنطق السري جوهرا، لكان كلامهما والمنتقى من لفظهما؛ ولقد كانا مع هذا عند كلام الرشيد وبديهته وتوقيعاته في كتبه- فدمين «١» عييّين، وجاهليين أمّيين؛ ولقد عمّرت معهم وأدركت طبقة المتكلمين في أيامهم؛ وهم يرون أن البلاغة لم تستكمل إلا فيهم، ولم تكن مقصورة إلا عليهم، ولا انقادت إلا لهم؛ وأنهم محض الأيام، ولباب «٢» الكرام وملح الأنام، عتق «٣» منظر وجودة مخبر، وجزالة منطق، وسهولة لفظ، ونزاعة أنفس، واكتمال خصال؛ حتى لو فاخرت الدنيا بقليل أيامهم والمأثور من خصالهم كثير أيام سواهم من لدن آدم أبيهم إلى النفخ في الصور وانبعاث أهل القبور- حاشا أنبياء الله المكرمين، وأهل وحيه المرسلين لما باهت «٤» إلا بهم، ولا عوّلت إلا عليهم، ولقد كانوا مع تهذيب أخلاقهم، وكريم أعراقهم، وسعة آفاقهم، ورونق سياقهم، ومعسول مذاقهم، وبهاء إشراقهم، ونقاوة أعراضهم، وتهذيب أغراضهم، واكتمال الخير فيهم- في جنب محاسن الرشيد كالنقطة في البحر، والخردلة في المهمه «٥» القفر.