هذا ما ذكرناه في كتابنا من الخطب للحجاج، وما بقي منها فهي مستقصاة في كتاب اليتيمة الثانية، حيث ذكرت أخبار زياد والحجاج، وإنما مذهبنا في كتابنا هذا أن نأخذ من كل شيء أحسنه ونحذف الكثير الذي يجتزأ منه بالقليل.
[خطبة طاهر بن الحسين]
لما افتتح مدينة السلام صعد المنبر وأحضر جماعة من بني هاشم والقواد وغيرهم فقال:
الحمد لله مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذلّ من يشاء؛ ولا يصلح عمل المفسدين، ولا يهدي كيد الخائنين؛ إنّ ظهور غلبتنا لم يكن من أيدنا ولا كيدنا، بل اختار الله لخلافته- إذ جعلها عمودا لدينه، وقواما لعباده- من يستقل بأعبائها، ويضطلع بحملها.
[خطبة عبد الله بن طاهر]
خطب الناس وقد تيسر لقتال الخوارج؛ فقال: إنكم فئة الله المجاهدون عن حقه، الذابّون عن دينه، الذائدون عن محارمه، الداعون إلى ما أمر به من الاعتصام بحبله، والطاعة لولاة أمره، الذين جعلهم رعاة الدين، ونظام المسلمين فاستنجزوا موعود الله ونصره بمجاهدة عدوّه وأهل معصيته، الذين أشروا «١» وتمردوا وشقوا العصا، وفارقوا الجماعة، ومرقوا من الدين، وسعوا في الأرض فسادا، فإنه يقول تبارك وتعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ
«٢» فليكن الصبر معقلكم الذي إليه تلجئون، وعدتكم التي تستظهرون؛ فإنه الوزر المنيع الذي دلكم الله عليه، والجنة الحصينة التي أمركم الله بلباسها؛ غضوا أبصاركم، وأخفتوا أصواتكم في مصافّكم، وامضوا قدما على بصائركم، فارغين إلى ذكر الله والاستعانة به كما أمركم الله؛ فإنه