هذه والله الغنيمة، ثم قمت إلى فحل إبله فخطمته «١» : ثم قرنته ببعيري وصحت به، فاتّبعني الفحل واتّبعته الأبل إربابا به في قطار «٢» ، فصارت خلفي كأنها حبل ممدود؛ فمضيت أبادر ثنيّة بيني وبينها مسيرة ليلة للمسرع، ولم أزل أضرب بعيري، مرة بيدي، ومرة برجلي، حتى طلع الفجر؛ فأبصرت الثنية، وإذا عليها سواد، فلما دنوت منه إذا الشيخ قاعد وقوسه في حجره! فقال: أضيفنا؟ قلت: نعم! قال: أتسخو نفسك عن هذه الإبل؟ قلت: لا. فأخرج سهمّا كأنه لسان كلب، ثم قال: انظره بين أذني الضبّ المعلّق في القتب. ثم رماه فصدع عظمه عن دماغه، فقال لي: ما تقول؟
قلت: أنا على رأيي الأول. قال: انظر هذا السهم الثاني في فقرة ظهره الوسطى، ثم رمى به فكأنما قدّره بيده ثم وضعه بأصبعه، ثم قال: رأيك؟ فقلت: إني أحب أن أستثبت. قال: انظر هذا السهم الثالث في عكوة ذنبه، والرابع والله في بطنك. ثم رماه فلم يخطيء العكوة؛ قلت: أنزل آمنا؟ قال: نعم. فدفعت إليه خطام فحله وقلت: هذه إبلك لم تذهب منها وبرة. وأنا أنظر متى يرميني بسهم يقصد به قلبي؛ فلما تباعدت قال: أقبل! فأقبلت والله فرقا من شره لا طمعا في خيره. فقال: ما أحسبك تجشمت الليلة ما تجشمت إلا من حاجة! قلت نعم. قال: فاقرن من هذه الإبل بعيرين وامض لطيّتك. قال: قلت: أما والله لا أمضي حتى أخبرك عن نفسك؛ فلا والله ما رأيت أعرابيا قط أشدّ ضرسا، ولا أعدى رجلا، ولا أرمى يدا، ولا أكرم عفوا، ولا أسخى نفسا، منك. فصرف وجهه عني حياء وقال: خذ الإبل برمتها مباركا لك فيها.
للنبي صلّى الله عليه وسلّم في الرمي
: وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اركبوا وارموا؛ وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا» .
وقال: «كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث: تأديبه فرسه ورميه عن كبد قوسه، وملاعبته امرأته؛ فإنه حق. إن الله ليدخل الجنة بالسهم الواحد عامله المحتسب،