أبى القلب إلا أمّ عمرو وحبّها ... عجوزا ومن يحبب عجوزا يفنّد «١»
كبرد يمان قد تقادم عهده ... ورقعته ما شيب في العين واليد «٢»
وقال بشار العقيلي في سوداء:
أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده
لا شكّ إذ لونكما واحد ... أنّكما من طينة واحده
[الاستعارة]
لم تزل الاستعارة قديما تستعمل في المنظوم والمنثور، وأحسن ما تكون أن يستعار المنثور من المنظوم، والمنظوم من المنثور، وهذه الاستعارة خفية لا يؤبه بها لأنك قد نقلت الكلام من حال إلى حال، وأكثر ما يجتلبه الشعراء، ويتصرف فيه البلغاء، إنما يجري فيه الآخر على السنن الأول، وأقل ما يأتي لهم معنى لم يسبق إليه أحدا، إما في منظوم وإما في منثور، لأن الكلام بعضه من بعض، ولذلك قالوا في الأمثال: ما ترك الأول للأخر شيئا. ألا ترى أن كعب بن زهير، وهو في الرعيل الأول والصدر المتقدم، قد قال في شعره:
ما أرانا نقول إلا معارا ... أو معادا من قولنا مكرورا
ولكن قولهم: إن الآخر إذا أخذ من الأول المعنى فزاد فيه ما يحسّنه ويقرّبه ويوضحه فهو أولى به من الأول، وذلك كقول الأعشى:
وكأس شربت على لذّة ... وأخرى تداويت منها بها
فأخذ هذا المعنى الحسن بن هانيء فحسنه وقرّبه إذ قال:
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الدّاء