كتب علي بن أبي طالب إلى جرير بن عبد الله، وكان وجّهه إلى معاوية في أخذ بيعته؛ فأقام عنده ثلاثة أشهر يماطله بالبيعة، فكتب إليه عليّ:
سلام عليك؛ فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل، وخيّره بين حرب مجلية أو سلم مخزية، فإن اختار الحرب فانبذ إليهم على سواء إنّ الله لا يحبّ الخائنين، وإن اختار السّلم فخذ بيعته وأقبل إليّ.
وكتب عليّ إلى معاوية بعد وقعة الجمل:
سلام عليك؛ أمّا بعد، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام؛ لأنه بايعني [القوم] الذين بايعوا أبا بكر، وعمر، وعثمان، على ما بويعوا عليه؛ فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يردّ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل وسمّوه إماما كان ذلك لله رضا، وإن خرج عن أمرهم خارج ردّوه إلى ما خرج عنه، فإن أبي قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولّى، وأصلاه جهنّم وساءت مصيرا.
وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتهما، وكان نقضهما كردّتهما فجاهدتهما بعد ما أعذرت إليهما، حتى جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون؛ فادخل فيما دخل فيه المسلمون؛ فإن أحب الأمور إليّ قبولك العافية. وقد أكثرت في قتلة عثمان، فإن أنت رجعت عن رأيك وخلافك ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكمت القوم إليّ، حملتك وإياهم على كتاب الله؛ وأما تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن. ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك، لتجدنّني أبرأ قريش من دم عثمان.
واعلم أنك من الطلقاء «١» الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا يدخلون في الشورى؛ وقد بعثت إليك والي من قبلك جرير بن عبد الله، وهو من أهل الإيمان والهجرة؛ فبايعه، ولا قوة إلا بالله.