وتبلغها إذا بسطت، ونفسا تكمل لخصالها، وتستحقها بفعالها- وإن كنت لم أجن تلك الخصال، ولم أصطنع تلك الفعال، ولم أترشّح لها في السر، ولا أشرت إليها في الجهر- ورآها تحنّ إليّ حنين الوالدة الوالهة، وتميل ميل الهلوك؛ وخاف أن ترغب إلى خير مرغب، وتنزع إلى أخصب منزع، عاقبني عقاب من سهر في طلبها، وجهد في التماسها، فإن كان إنما حسبني أني أصلح لها وتصلح لي، وأليق بها وتليق بي، فليس ذلك بذنب جنيته فأتوب منه، ولا تطاولت له فأحطّ نفسي عنه؛ وإن زعم أنه لا صرف لعقابه، ولا نجاة من عذابه، إلا أن أخرج له من حدّ العلم والحلم والحزم؛ فكما لا يستطيع المضياع أن يكون مصلحا، كذلك لا يستطيع العاقل أن يكون جاهلا.
وسواء عليه أعاقبني على علمي وحلمي، أم عاقبني على نسبي وسني، وسواء عليه عاقبني على جمالي أو عاقبني على محبة الناس لي. ولو أردتها لأعجلته عن التفكير، وشغلته عن التدبير، ولما كان فيها من الخطب إلا اليسير.
[ابن مسلم حين بلغه غضب الخليفة على رجاء:]
إبراهيم بن السّندي قال: كنت أساير سعد بن سلم، حتى قيل له: إن أمير المؤمنين قد غضب على رجاء بن أبي الضحّاك وأمر بأخذ ماله، فارتاع بذلك وجزع، فقيل له: ما يروعك منه؟ فو الله ما جعل الله بينكما نسبا ولا سببا. فقال: بلى، النّعمة نسب بين أهلها، والطاعة سبب مؤكّد بين الأولياء.
وبعث بعض الملوك إلى رجل وجد عليه: فقال لما مثل بين يديه: أيها الأمير، إن الغضب شيطان فاستعذ بالله منه؛ وإنما خلق العفو للمذنب، والتجاوز للمسيء، فلا تضق عما وسع الرعيّة من حلمك وعفوك. فعفا عنه وأطلق سبيله.
ولما اتهم قتيبة بن مسلم أبا مجلز على بعض الأمر، قال: أصلح الله الأمير، وأستغفر الرب، أسأل العافية! قال: قد عفونا عنك.
وأرسل بعض الملوك في رجل أراد عقوبته، فلما مثل بين يديه قال: أسألك بالذي