قال أحمد بن محمد بن عبد ربه: قد مضى قولنا في الزهد ورجاله المشهورين: ونحن قائلون بعون الله في النوادب والمراثي، والتهاني والتعازي، بأبلغ ما وجدناه من الفطن الذكية، والألفاظ الشجية، التي ترق القلوب القاسية، وتذيب الدموع الجامدة، مع اختلاف النوادب عند نزول المصائب؛ فنادبة تثير الحزن من ربضته، وتبعث الوجد من رقدته، بصوت كترجيع الطير، وتقطع أنفاس المآتم «١» ، وتترك صدعا في القلوب الجلامد؛ ونادبة تخفض من نشيجها، وتقصد في نحيبها، وتذهب مذهب الصبر والاستسلام، والثقة بجزيل الثواب.
قال عمر بن ذرّ: سألت أبي: ما بال الناس إذا وعظتهم بكوا، وإذا وعظهم غيرك لم يبكوا؟ قال: يا بنيّ، ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة.
وقال الأصمعي: قلت لأعرابي: ما بال المراثي أشرف أشعاركم؟ قال: لأنا نقولها وقلوبنا محترقة.
وقال الحكماء: أعظم المصائب كلها انقطاع الرجاء.
وقالوا: كلّ شيء يبدو صغيرا ثم يعظم؛ إلا المصيبة؛ فإنها تبدو عظيمة ثم تصغر.