وقال بعض الحكماء: حظّي من الصمت لي، ونفعه مقصور عليّ وحظي من الكلام لغيره، ووباله راجع عليّ.
وقالوا: إذا أعجبك الكلام فاصمت.
وقال رجل لعمر بن عبد العزيز: متى أتكلم؟ قال: إذا اشتهيت أن تصمت. قال:
فمتى أصمت؟ قال: إذا اشتهيت أن تتكلم.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: ما أعطي العبد شرّا من طلاقة اللسان.
وسمع عبد الله بن الأهتم رجلا يتكلم فيخطىء، فقال: بكلامك رزق الصمت المحبة.
[باب في المنطق]
قال الذين فضّلوا المنطق: إنما بعثت الأنبياء بالكلام ولم يبعثوا بالسكوت؛ وبالكلام وصف فضل الصمت ولم يوصف القول بالصمت؛ وبالكلام يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعظّم الله ويسبّح بحمده. والبيان من الكلام هو الذي منّ الله به على عباده فقال: خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ
«١» والعلم كله لا يؤدّيه إلى أوعية القلوب الا اللسان؛ فنفع المنطق عامّ لقائله وسامعه، ونفع الصمت خاصّ لفاعله.
واعد شيء قيل في الصمت والمنطق، قولهم: الكلام في الخير كلّه أفضل من الصمت. ولصمت في الشر كلّه أفضل من الكلام.
قال عبد الله بن المبارك صاحب الرّقائق يرثي مالك بن أنس المدني:
صوت إذا ما الصّمت زيّن أهله ... وفتّاق أبكار الكلام المختّم «٢»
وعي ما وعى القرآن من كلّ حكمة ... ونيطت له الآداب باللحم والدّم «٣»