العباس مع فقهاء البلد، فحدثني البحتري عن عبادة، وكان ممن حضر المجلس أنه بعث إليه بقدح نبيذ فشربه، ثم بعث إليه بثان فامتنع من شربه! فأخذه الناس بألسنتهم، وقالوا: شربت المسكر على أخونة هؤلاء وصرت لهم حجة! قال: حسبكم! أردتم أن أكون ممن قال اللَّه تعالى: فيهم يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ
«١» ! فكيف أدعه لكم وأشربه بعين اللَّه!
[بين قاض وشارب نبيذ]
وقال بعض القضاة لرجل كان يعذله: بلغني أنك تشرب المسكر! فقال: ما أشرب المسكر ولكني أشرب النبيذ الصلب.
[ألوان من التزهد]
فأين هؤلاء في ترك الرياء والتصنع، من رجل سرقت نعله فلم يشتر نعلا حتى مات، وعوتب في ذلك فقال: أخشى أن أشتري نعلا فيسرقها أحد فيأثم! وآخر لما نظر أهل عرفات قال: ما أظن اللَّه إلا قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم! وآخر أمر له عمر بن الخطاب بكيس، فقال: آخذ الكيس والخيط؟ فقال عمر:
دع الكيس! ورجل سأل ابن المبارك فقال إني قاسمت إخوتي، وبيننا مبرز غير مقسوم وفيّ بطر «٢» أفترى لي أن أدخله أكثر مما يدخله شركائي؟
وآخر قال: أفطرت البارحة على رغيف وزيتونة ونصف، أو زيتونة وثلث أو زيتونة وربع، أو ما علم اللَّه من زيتونة أخرى! فقال له بعض من حضر: أجلس يا فتى، إنه بلغنا أن من الورع ما يبغضه اللَّه، وأظنه ورعك هذا!