قال: فمن الظالم منهما؟ فكره أن يقول العباس، فيواقع «١» سخط الخليفة، أو يقول عليّ؛ فينقص أصله، فقال: ما منهما ظالم؟ قال: فكيف يتنازع اثنان في شيء لا يكون أحدهما ظالما؟ قال: قد تنازع الملكان عند داود عليه السلام وما فيهما ظالم، ولكن لينبّها داود على الخطيئة، وكذلك هذان أرادا تنبيه أبي بكر من خطيئته، فأسكت الرجل، وأمر الخليفة لهشام بصلة عظيمة.
دخل إبراهيم النّظّام على أبي الهذيل العلّاف، وقد أسنّ وبعد عهده بالمناظرة، وإبراهيم حدّث السنّ. فقال: أخبرني عن قراركم: أن يكون جوهرا مخافة أن يكون جسما؛ فهل قررتم ألا يكون جوهرا مخافة أن يكون عرضا، والعرض أضعف من الجوهر؟ فبصق أبو الهذيل في وجهه. فقال له إبراهيم: قبّحك الله من شيخ، ما أضعف صحتك وأسفه حلمك.
قال: لقي جهم رجلا من اليونانيين؛ فقال له: هل لك أن تكلمني وأكلمك عن معبودك هذا، أرأيته قط؟ قال: لا؛ قال: فلسمته؟ قال: لا؛ قال: فذقته؟ قال: لا؛ قال: فمن أين عرفته وأنت لم تدركه بحسّ من حواسّك الخمس وإنما عقلك معبّر عنها فلا يدرك إلا ما أوصلت إليه من جميع المعلومات؟ قال: فتلجلج جهم ساعة، ثم استدرك فعكس المسألة عليه فقال له: ما تقرّ أن لك روحا؟ قال: نعم؛ قال: فهل رأيته أو ذقته أو سمعته أو شممته أو لمسته؟ قال: لا؛ قال: فكيف علمت أن لك روحا؟ فأقرّ له اليوناني.
[باب في الحياء]
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: الحياء خير كله. الحياء شعبة من الإيمان. وقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى يحب الحيي الحليم المتعفف، ويكره البذيء السّئّال الملحف «٢» .
وقال عون بن عبد الله: الحياء والحلم والصمت من الإيمان.