للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم. قال: كثير! فما تصنع بها؟ قلت: أتقوّت منها شيئا وأعود بباقيها على أقارب لي، فما فضل منها فعلى فقراء المسلمين. فقال: لا بأس، ارجع إلى موضعك؛ فرجعت إلى موضعي من الصف. ثم صعّد فينا وصوّب، فلم تقع عينه إلا عليّ، فدعاني؛ فقال: كم سنوك؟ فقلت: ثلاث وأربعون سنة قال: الآن حين استحكمت.

ثم دعا بالطعام، وأصحابي حديثو عهد بلين العيش وقد تجوّعت له، فأتي بخبز يابس وأكسار بعير «١» ، فجعل أصحابي يعافون ذلك، وجعلت آكل فأجيد الأكل. فنظرت فإذا به يلحظني من بينهم، ثم سبقت مني كلمة تمنيت أني سخت في الأرض ولم ألفظ بها، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الناس يحتاجون إلى صلاحك، فلو عمدت إلى طعام هو ألين من هذا. فزجرني وقال: كيف قلت؟ قلت: أقول: لو نظرت يا أمير المؤمنين إلى قوتك من الطحين فيخبز لك قبل إرادتك إياه بيوم، ويطبخ لك اللحم كذلك، فتؤتى بالخبز ليّنا وباللحم غريضا. فسكّن من غربه وقال: هذا قصدت؟

قلت: نعم. قال: يا ربيع، إنا لو نشاء لملأنا هذه الرّحاب من صلائق وسبائك وصناب، ولكني رأيت الله تعالى نعى على قوم شهواتهم فقال: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها

«٢» ثم أمر أبا موسى أن يقرّني وأن يستبدل بأصحابي!

[ابن عبد ربه يفسر غريب الخبر]

: قوله «لثتها على رأسي» . يقال: رجل ألوث، إذا كان شديدا، وذلك من اللوث؛ ورجل ألوث، إذا كان أهوج، مأخوذ من الّلوثة. يقال: (لثت عمامة على رأسي) يقول: أدرتها بعضها على بعض على غير استواء.

وقوله «صلائق» هي شيء يعمل من اللحم، فمنها ما يطبخ ومنها ما يشوى، يقال: صلقت اللحم، إذا طبخته، وصلقته إذا شويته.

وقوله «غريضا» يقول طريا. يقال: لحم غريض، تراد به الطراوة قال العتابي: