فهذا التدبير ينبغي أن يلتزم، ما لم يكن في بعض أعضاء البدن ألم، فينبغي أن يستعمل النظر في الأغذية الموافقة للعضو الألم؛ لأنا ربما اضطررنا إلى استعمال ما يوافق العضو الألم، وإن كان مخالفا لسائر البدن؛ كما أنه لو كانت الكبد باردة ضيقة المجاري، احتجنا إلى استعمال الأغذية اللطيفة وتجنّب الأغذية الغليظة، وإن كان سائر البدن غير محتاج إليها لضعف أو نحافة؛ لئلا تحدث الغليظة في الكبد سددا؛ وربما كانت الكبد حارة، فتحذر الأغذية الحلوة وإن احتاج إليها [البدن] لسرعة استحالتها إلى المرة الصفراء، وربما كانت المعدة ضعيفة، فتحتاج إلى ما يقوّيها من الأغذية؛ وربما كان يولد الطعام فيها بلغما، فتحتاج إلى ما يجلوه ويقطعه؛ وربما كان يتولد فيها المرة الصفراء سريعا، فتحتاج إلى ما يقمع الصفراء وإلى تجنّب الأشياء المولدة لها؛ وربما كان الطعام يبقى على رأس المعدة طافيا، فيستعمل الأغذية الغليظة الراسبة، ليثقل بثقلها إلى أسفل المعدة؛ وتأمره بحركة يسيرة بعد الطعام، لينحط الطعام عن رأس المعدة. وربما كان فضل الطعام بطيء الانحدار عن المعدة والأمعاء، فتحتاج إلى ما يحدره ويلين البطن؛ وربما كان رأس المعدة حارا قابلا للحار، فيتجنب الأغذية الحارة وإن احتاج إليها سائر البدن.
[الحركة والنوم مع الطعام]
وينبغي ألا تقتصر على ما ذكرنا دون النظر في مقدار الحركة قبل الطعام، والنوم بعده؛ فمتى كانت الحركة قبل الطعام كثيرة غذيناه بأغذية غليظة لزجة إلى اليبس مما هي بطيئة التحلل، ولم نأمره بالحمية لقلة الحاجة إليها، ومتى لم تكن قبل الطعام حركة، أو كانت يسيرة، فينبغي أن لا يقتصر على الحمية بقلة الطعام ولطافته، دون أن يستعين على تخفيف ما يتولد في البدن من الفضول باستفراغ الأدوية المسهلة، وبالحمّام، وبإخراج الدم؛ ومتى كانت الحركة كافية استعملنا الأغذية المعتدلة في كثرتها، وقدر لطافتها وغلظها؛ ومتى كان النوم بعد الطعام كثيرا احتجنا إلى استعمال أغذية كثيرة غزيرة بالغذاء، لطول الليل وكثرة النوم؛ ومتى كان النوم قليلا احتجنا إلى الطعام الخفيف اللطيف، كالذي يغتذى به في الصيف، لقصر الليل وقلة النوم.