قال: أشدّ والله عليّ من سوء حالي وفاقتي، توهّمي فيكم المواساة! انتعلوا الطريق لاصحبكم الله.
الأصمعي قال: وقف أعرابيّ علينا فقال: يا قوم، تتابعت علينا سنون بتغير وانتفاص، فما تركت لنا هبعا ولا ربعا «١» ، ولا عافطة ولا نافطة «٢» ، ولا ثاغية ولا راغية «٣» ؛ فأماتت الزرع، وقتلت الضرع، وعندكم من مال الله فضل نعمة؛ فأعينوني من فضل ما آتاكم الله، وارحموا أبا أيتام، ونضو زمان «٤» ؛ فلقد خلفت أقواما يمرضون مريضهم ولا يكفنون ميتهم، ولا ينتقلون من منزل إلى منزل وإن كرهوه؛ ولقد مشيت حتى انتعلت الدماء، وجعت حتى أكلت النوى.
[لأعرابية مع عبد الرحمن ابن أبي بكر:]
الأصمعي قال: وقفت أعرابية من هوازن على عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فقالت: إني أتيت من أرض شاسعة، تهيضني هائضة «٥» وترفعني رافعة في بواد برين لحمي، وهضن عظمي: وتركنني والهة، قد ضاق بي البلد، بعد الأهل والولد، وكثرة من العدد؛ لا قرابة تؤويني، ولا عشيرة تحميني، فسألت أحياء العرب: من المرتجى سيبه، المأمون عيبه، الكثير نائله، المكفيّ سائله؟ فدللت عليك؛ وأنا امرأة من هوازن، فقدت الولد والوالد، فاصنع في أمري واحدة من ثلاث: إما أن تحسن صفدي، وإما أن تقيم أودي، وإما أن تردّني إلى بلدي. قال: بل أجمعين لك! ففعل ذلك بها أجمع.
وقال أعرابي:
يا عامل الخير رزقت الجنّة ... أكس بنيّاتي وأمّهنّه
وكن لنا من الزمان جنّه ... واردد علينا إنّ إنّ إنّه