ابن عامر؛ قال: نعم. قال: فصفه لي. قال: نأتيه فنجده منبطحا، يعني نائما، فنجلس حتى يستيقظ، فيأذن فنساقطه الحديث، فإن حدّثناه أحسن الاستماع؛ وإن حدّثنا أحسن الحديث، ثم يدعو بمائدته، وقد تقدّم إلى جواريه وأمهات أولاده ألّا تلفظ واحدة منهن إذا وضعت مائدة، ثم يقبل خبّازه فيمثل بين يديه قائما، فيقول له: ما عندك؟ فيقول: عندي كذا وكذا. فيعدّد ما عنده. يريد بذلك أن يحسن كلّ رجل نفسه وشهوته على ما يريد من الطعام. وتقبل الألوان من ها هنا ومن ها هنا فتوضع على المائدة، ثم يؤتى بثريدة شبهاء «١» من الفلفل رقطاء «٢» من الحمّص، ذات حفافين من العراق «٣» ، فيأكل معذرا، حتى إذا ظن أن القوم قد كادوا يمتلئون، جثا على ركبتيه؛ ثم استأنف الأكل معهم.
قال ابن أبي بردة: لله درّ عبد الأعلى، ما أربط جأشه على وقع الأضراس.
وحضر أعرابي سفرة هشام بن عبد الملك؛ فبيناه يأكل معه إذ تعلقت شعرة في لقمة الأعرابي، فقال له هشام: عندك شعرة في لقمتك يا أعرابي. فقال: وإنك لتلاحظني ملاحظة من يرى الشعرة في لقمتي! والله لا أكلت عندك أبدا، ثم خرج وهو يقول:
وللموت خير من زيارة باخل ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
[بين المنصور وأعرابي:]
محمد بن زيد قال: أكل قائد لأبي جعفر المنصور معه يوما، وكان على المائدة محمد المهديّ وصالح ابناه، فبينا الرجل يأكل من ثريدة بين أيديهم، إذ سقط بعض الطعام من فيه في الغضّارة «٤» ، فكأن المهدي وأخاه عافا الأكل معه، فأخذ أبو جعفر الطعام