ووقفت عائشة على قبر أبي بكر فقالت: نضّر الله وجهك، وشكر لك صالح سعيك، فقد كنت للدنيا مذلّا بإدبارك عنها، وكنت للآخرة معزّا بإقبالك عليها ولئن كان أجلّ الحوادث بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم رزؤك، وأعظم المصائب بعده فقدك- إن كتاب الله ليعد بحسن الصبر فيك، وحسن العوض منك؛ فأنا أتنجز موعود الله بحسن العزاء عليك، وأستعيضه منك بالاستغفار لك؛ فعليك السلام ورحمة الله، توديع غير قالية «١» لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك! ثم انصرفت.
[رثاء علي لأبي بكر:]
لما قبض أبو بكر سجّي بثوب فارتجت المدينة بالبكاء عليه، ودهش القوم كيوم قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وجاء علي بن أبي طالب باكيا مسرعا مسترجعا حتى وقف بالباب وهو يقول: رحمك الله أبا بكر، كنت والله أوّل القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا. وأشدّهم يقينا، وأعظمهم غناء، وأحفظهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأحدبهم «٢» على الإسلام، وأحناهم على أهله، وأشبههم برسول الله صلّى الله عليه وسلم خلقا وفضلا وهديا وسمتا، فجزاء الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيرا، صدّقت رسول الله حين كذّبه الناس، وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، سماك الله في كتابه صدّيقا، فقال:«والّذي جاء بالصّدق وصدّق به» يريد محمدا ويريدك، كنت والله للإسلام حصنا، وعلى الكافرين عذابا، لم تفلل حجتك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، كنت الجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، جليلا في الأرض، كثيرا عند المؤمنين، لم يكن لأحد عندك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة، فالقويّ عندك ضعيف حتى تأخذ الحق منه، والضعيف عندك قوي