ودعا عبد الملك بن مروان رجلا إلى الغداء، فقال. ما فيّ فضل يا أمير المؤمنين.
قال: لا خير في الرجل يأكل حتى لا يكون فيه فضل! فقال: يا أمير المؤمنين، عندي مستزاد، ولكن أكره أن أصير إلى الحال التي استقبحها أمير المؤمنين.
وقال الأحنف بن قيس: جنّبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، فإني أبغض الرجل يكون وصّافا لبطنه وفرجه.
وقيل لبعض الحكماء: أي الطعام أطيب؟
قال: الجوع؛ ما ألقيت إليه من شيء قبله.
وقال رجل من أهل الشام لرجل من أهل المدينة: عجبت منكم أن فقهاءكم أظرف من فقهائنا، ومجانينكم أظرف من مجانيننا! قال: أو تدري من أين ذلك؟
قال: لا أدري.
قال: من الجوع، ألا ترى أن العود إنما صفا صوته لما خلا جوفه!
[الثوري في ابنه:]
وقال الجاحظ: كان أبو عثمان الثوري يجلس ابنه معه ويقول له: إياك يا بنيّ ونهم الصبيان، وأخلاق النوائح، ونهش الأعراب؛ وكل مما يليك، واعلم أنه إذا كان في الطعام لقمة كريمة، أو مضغة شهيّة، أو شيء مستطرف، فإنما ذلك للشيخ المعظّم، أو للصبي المدلّل، ولست بواحد منهما، وقد قالوا: مد من اللحم كمد من الخمر.
أي بنيّ، عوّد نفسك الأثرة، ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش نهش السباع، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النعاج، ولا تلقم لقم الجمال؛ فإن الله جعلك إنسانا فلا تجعل نفسك بهيمة، واحذر سرعة الكظة، وسرف البطنة؛ فقد قال بعض الحكماء: إذا كنت نهما فعدّ نفسك من الزّمنى؛ واعلم أن الشّبع داعية البشم «١» ، والبشم داعية السقم، والسقم داعية الموت؛ ومن مات هذه الميتة فقد مات