وقال صلّى الله عليه وسلم:«ما من راع يبيت غاشّا لرعيته إلا حرّم الله عليه رائحة الجنة. وحقيق على الوالي أن يكون لرعيته ناظرا، ولما استطاع من عوراتهم ساترا، وبالحق فيهم قائما، فلا يتخوّف محسنهم رهقا، ولا مسيئهم عدوانا. فقد كانت بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلم جريدة يستاك «١» بها ويردع عنه المشركين بها، فأتاه جبريل فقال: يا محمد، ما هذه الجريدة التي معك! اتركها لا تملأ قلوبهم رعبا! فما ظنك بمن سفك دماءهم، وقطع أستارهم، ونهب أموالهم!» يا أمير المؤمنين، إنّ المغفور له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر دعا إلى القصاص من نفسه بخدش خدشه أعرابيا لم يتعمده؛ فقال جبريل: يا محمد، إنّ الله لم يبعثك جبارا تكسر قرون أمتك. واعلم يا أمير المؤمنين أن كل ما في يدك لا يعدل شربة من شراب الجنة، ولا ثمرة من ثمارها؛ ولو أن ثوبا من ثياب أهل الناس علق بين السماء والأرض لأهلك الناس رائحته، فكيف بمن يتقمّصه! ولو أن ذنوبا»
من صديد أهل النار صبّ على ماء الدنيا لأحمّه «٣» ، فكيف بمن يتجرّعه! ولو أن حلقة من سلاسل جهنم وضعت على جبل لأذابته؛ فكيف بمن يسلك فيها؛ ويردّ فضلها على عاتقه.
[كلام أبي حازم لسليمان بن عبد الملك]
حج سليمان بن عبد الملك؛ فلما قدم المدينة للزيارة بعث إلى أبي حازم الأعرج وعنده ابن شهاب. فلما دخل قال: تكلم يا أبا حازم. قال: فيم أتكلم يا أمير المؤمنين؟
قال: في المخرج من هذا الأمر. قال: يسير إن أنت فعلته. قال: وما ذاك؟ قال: لا تأخذ الأشياء إلا من حلّها، ولا تضعها إلا في أهلها. قال: ومن يقوى على ذلك؟