ممّن يشاء، ويعز من يشاء، ويذلّ من يشاء. أما بعد: فإنه لم يعزّ الله من كان الباطل معه، وإن كان معه الأنام طرّا؛ ولم يذل من كان الحقّ معه، وإن كان فردا. ألا وإن خبرا من العراق أتانا فأحزننا وأفرحنا، فأما الذي أحزننا فإن لفراق الحميم لوعة يجدها حميمه، ثم يرعوي ذوو الألباب إلى الصبر وكريم العزاء؛ وأما الذي أفرحنا فإن قتل المصعب له شهادة ولنا ذخيرة، أسلمه النّعام المصلم «١» الآذان؛ ألا وإنّ أهل العراق باعوه بأقل من الثمن الذي الذي كانوا يأخذون منه؛ فإن يقتل فقد قتل أخوه وأبوه وابن عمه، وكانوا الخيار الصالحين. وإنا والله لا نموت حتفا، ولكن قعصا «٢» بالرماح، وموتا تحت ظلال السيوف؛ ليس كما يموت بنو مروان! ألا إنما الدنيا عارية من الملك الأعلى الذي لا يبيد ذكره. ولا يزول سلطانه؛ فإن تقبل الدنيا علي لم آخذها أخذ الأشر البطر؛ وإن تدبر عني لم أبك عليها بكاء الخرق المهين ثم نزل.
[خطب زياد]
[خطبة زياد البتراء]
قال أبو الحسن المدائني عن مسلمة بن محارب عن أبي بكر الهذلي قال: قدم زياد البصرة واليا لمعاوية بن أبي سفيان وضم إليه خراسان وسجستان؛ والفسق بالبصرة ظاهر فاش. فخطب خطبة بتراء، لم يحمد الله فيها؛ وقال غيره بل قال: الحمد لله على إفضاله وإحسانه، ونسأله المزيد من نعمه وإكرامه. اللهم كما زدتنا نعما فألهمنا شكرا.
أما بعد، فإن الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والعمى الموفي بأهله على النار، ما فيه سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام، ينبت فيها الصغير ولا يتحاشى عنها الكبير؛ كأنكم لم تقرءوا كتاب الله، ولم تسمعوا بما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب العظيم لأهل معصيته، في الزمن السرمدي الذي لا يزول.