أولها: ملاءمة الطعام لبدن المغتذي به في الوقت الذي يغتذي به فيه، كما ذكرنا أيضا أنه متى كان الغالب على البدن الحرارة احتاج إلى الأغذية الباردة، ومتى كان الغالب عليه البرد احتاج إلى الأغذية الحارة، ومتى كان معتدلا احتاج إلى الأغذية المعتدلة المشاكلة له.
والنحو الثاني: تقدير الطعام، بأن يكون على مقدار قوة الهضم، لأنه وإن كان في نفسه محمودا، وكان ملائما للبدن، وكان أكثر من قدر احتمال قوة الهضم، ولم يستحكم هضمه، تولد منه غذاء رديء.
والنحو الثالث: تقديم ما ينبغي أن يقدّم من الطعام، وتأخير ما ينبغي أن يؤخر منه؛ ومثل ذلك أنه ربما جمع الإنسان في أكلة واحدة طعاما يلين البطن وطعاما يحبسه، فإن هو قدم الملين وأتبعه الآخر، سهل انحدار الطعام منه: ومتى قدم الطعام الحابس وأتبعه الملين، لم ينحدر وفسدا جميعا. وذلك أن الملين حال فيما بينه وبين نزول الطعام الحابس، فبقي في المعدة بعد انهضامه، ففسد به الطعام الآخر. ومتى كان الطعام الملين قبل الحابس انحدر الملين بعد انهضامه، وسهل الطريق لانحدار الحابس. وكذلك أيضا لو جمع أحد في أكلة واحدة طعاما سريع الانهضام وآخر بطيء الانهضام، فينبغي له أن يقدّم البطيء الانهضام ويتبعه السريع الانهضام، ليصير البطيء الانهضام في قعر المعدة. لأن قعر المعدة أسخن، وهو أقوى على الهضم، لكثرة ما فيه من أجزاء اللحم المخالطة له، وأعلى المعدة عصبي بارد لطيف ضعيف الهضم، ولذلك إذا طفا الطعام على رأس المعدة لم ينهضم.
والنحو الرابع: أن يتناول الطعام الثاني بعد انحدار الأول وقد قدّم قبله حركة كافية وأتبعه بنوم كاف، استمراءه؛ ومن أخذ الطعام وقد بقي في معدته أو أمعائه بقية من الطعام الأول غير منهضمة، فسد الطعام الثاني ببقية الأوّل.