وفي كتاب للهند: ينبغي للعاقل أن يدع التماس ما لا سبيل إليه، وإلا عدّ جاهلا، كرجل أراد أن يجري السفن في البرّ والعجل في البحر، وذلك ما لا سبيل إليه.
وقالوا: إحسان المسيء أن يكفّ عنك أذاه، وإساءة المحسن أن يمنعك جدواه.
وقال الحسن البصري: اقدعوا «١» هذه النفوس فإنها طلعة، وحادثوها بالذّكر فإنها سريعة الدّثور؛ فإنكم إلا تقدعوها تنزع بكم إلى شر غاية.
يقول: حادثوها بالحكمة كما يحادث السيف بالصّقال، فإنها سريعة الدّثور: يريد الصدأ الذي يعرض للسيف. واقدعوها: من قدعت أنف الجمل، إذا دفعته، فإنها طلعة: يريد متطلّعة إلى الأشياء.
قال أردشير بن بابك: إنّ للآذان مجّة وللقلوب مللا؛ ففرّقوا بين الحكمتين يكن ذلك استحماما.
[البلاغة وصفتها]
قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ قال: ما بلّغك الجنّة وعدل بك عن النار. قال السائل: ليس هذا أريد. قال: فما بصّرك مواضع رشدك، وعواقب غيّك. قال:
ليس هذا أريد. قال: من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يسمع، ومن لم يحسن أن يسمع لم يحسن أن يسأل، ومن لم يحسن أن يسأل لم يحسن أن يقول. قال: ليس هذا أريد. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا معشر النبيين بكاء- أي قليلو الكلام، وهو جمع بكيء. وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله- قال السائل:
ليس هذا أريد. قال: فكأنك تريد تخيّر الألفاظ في حسن إفهام؟ قال: نعم. قال:
إنك إن أردت تقرير حجّة الله في عقول المكلّفين وتخفيف المئونة على المستمعين، وتزيين المعاني في قلوب المستفهمين، بالألفاظ الحسنة، رغبة في سرعة استجابتهم، ونفي الشواغل عن قلوبهم، بالموعظة الناطقة عن الكتاب والسنة، كنت قد أوتيت فصل الخطاب.