وحكي أن أمير المؤمنين المهدي قال لأبي عبيد الله لما قتل ابنه: إنه لو كان في صالح خدمتك وما تعرّفناه من طاعتك، وفاء يجب به الصفح عن ولدك، ما تجاوز أمير المؤمنين ذلك به إلى غيره؛ ولكنه نكص «١» على عقبيه وكفر بربّه. قال أبو عبيد الله: رضانا عن أنفسنا وسخطنا عليها موصول برضاك وسخطك، ونحن خدم نعمتك، تثيبنا على الإحسان فنشكر، وتعاقبنا على الإساءة فنصبر.
[المنصور وجعفر ابن محمد:]
أبو الحسن المدائني قال: لما حج المنصور مرّ بالمدينة، فقال للربيع الحاجب: عليّ بجعفر بن محمد، قتلني الله إن لم أقتله. فمطل «٢» به، ثم ألحّ عليه فحضر، فلما كشف الستر بينه وبينه ومثل بين يديه، همس جعفر بشفتيه، ثم تقرّب وسلّم، فقال: لا سلّم الله عليك يا عدوّ الله، تعمل عليّ الغوائل في ملكي؟ قتلني الله إن لم أقتلك. قال: يا أمير المؤمنين، إنّ سليمان صلّى الله على محمد وعليه، أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر؛ وأنت على إرث منهم، وأحقّ من تأسّى بهم. فنكس أبو جعفر رأسه مليا. وجعفر واقف، ثم رفع رأسه فقال: إليّ أبا عبد الله، فأنت القريب القرابة، وذو الرّحم الواشجة «٣» السليم الناحية، القليل الغائلة «٤» . ثم صافحه بيمينه، وعانقه بشماله، وأجلسه معه على فراشه وانحرف له عن بعضه، وأقبل عليه بوجهه يحادثه ويسائله. ثم قال: يا ربيع، عجّل لأبي عبد الله كسوته وجائزته وإذنه.
قال الربيع: فلما حال الستر بيني وبينه أمسكت بثوبه، فقال: ما أرانا يا ربيع إلا وقد حبسنا. فقلت: لا عليك! هذه منّي لا منه. فقال: هذه أيسر، سل حاجتك.
فقلت له: إني منذ ثلاث أدفع عنك وأداري عليك، ورأيتك إذ دخلت همست