المعلي بن المثني الشيباني قال: حدثنا سويد بن منجوف قال: أقبل أعرابي من بني تميم حتى دخل الكوفة من ناحية جبانة السبيع، تحته أتان «١» له تخب، وعليها ذلاذل «٢» وأطمار من سحق صوف، قد اعتم بما يشبه ذلك؛ من أشوه الناس منظرا وأقبحهم شكلا؛ وهو يهدر كما يهدر البعير وهو يقول ألاسبد، ألا لبد «٣» ألا مؤو ألا مقر، ألا سعديّ ألا يربوعيّ، ألا دارميّ! هيهات هيهات! وما يغني أصل حوض الماء صاديا معنى! قال سويد: فدخل علينا في درب الكناسة فلم يجد منفذا وقد تبعه صبيان كثير وسواد من سواد الحي، قال: فسمعت سواديا يقول له: يا عماه، يا إبليس! متى أذن لك بالظهور؟ فالتفت إليهم، فقال منذ سروا آباءكم وفشّوا أمهاتكم! قال: وكان معنا أبو حماد الخياط، وكان من أطلب الناس لكلام الأعراب وأصبرهم على الإنفاق على أعرابي، فدخل علينا وكان مع ذلك مولى بني تميم، فأتيته فأخبرته؛ فخرج مبادرا كأني قد أفدته فائدة عظيمة؛ وقد نزل الأعرابي عن الأتان واستند إلى بعض الحيطان وأخذ قوسه بيده؛ فتارة يشير بها إلى الصبيان، وتارة يذبّ الشذا عن الأتان- وهو يقول لأتانه:
قد كنت بالأمعز في خصب خصب ... ما شئت من حمض وماء منسكب «٤»
فربّك اليوم ذليل قد نصب ... يرى وجوها حوله ما ترتقب
ولا عليها نور إشراف الحسب ... كأنها الزّنج وعبدان العرب
إلى عجيل كالرعيل والسرب ... ولو أمنت اليوم من هذا اللّجب «٥»