يا معشر النمر، نزعت إليكم غريبا حزينا، فانظروا لي امرأة اتزوّجها. قد أذلها الفقر، وأدّبها الغنى، لها حسب وجمال.
فزوّجوه على هيئة ما طلب، فقال: إني لا أقيم فيكم حتى أعلمكم اخلاقي: إني غيور فخور نفور؛ ولكني لا أغار حتى أرى، ولا أفخر حتى أفعل، ولا آنف حتى أظلم.
فأقام فيهم حتى ولد له غلام سماه خليفة، ثم بدا له ان يرتحل عنهم، فجمعهم ثم قال:
يا معشر النمر، إن لكم عليّ حقا، وأنا أريد أن أوصيكم، فآمركم بخصال، وأنهاكم عن خصال: عليكم بالاناة، فإن بها تنال الفرصة؛ وسوّدوا من لا تعابون بسؤدده؛ وعليكم بالوفاء، فإن به يعيش الناس؛ وباعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة؛ ومنع ما تريدون منعه قبل القسم؛ وإجارة الجار على الدهر؛ وتنفيس المنازل؛ [عن بيوت اليتامى، وخلط الضيف بالعيال] وأنهاكم عن الرهان، فإني به ثكلت مالكا. وأنهاكم عن البغي، فإنه صرع زهيرا. وعن السرف في الدماء، فإن يوم الهباءة أورثني الذلّ، ولا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق ولا تردّوا الأكفاء عن النساء فتحوجوهنّ إلى البلاء؛ فإن لم تجدوا الأكفاء فخير أزواجهن القبور؛ واعلموا اني اصبحت ظالما مظلوما: ظلمني بنو بدر بقتلهم مالكا، وظلمت بقتلي من لا ذنب له.
[الفاكه وزوجته هند في ريبة]
كان الفاكه بن المغيرة المخزومي أحد فتيان قريش، وكان قد تزوج هند ابنة عتبة، وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس فيه بلا اذن، فقال يوما في ذلك البيت وهند معه؛ ثم خرج عنها وتركها نائمة، فجاء بعض من كان يغشى البيت. فلما وجد المرأة نائمة ولّى عنها، فاستقبله الفاكه بن المغيرة، فدخل على هند وأنبهها، وقال: من هذا الخارج من عندك؟ قالت: والله ما انتبهت حتى أنبهتني، وما رأيت أحدا قط.