قال: وجعلت لا أنازعها في شيء إجلالا لها، فلما أمسينا وصلينا المغرب وجاءت العشاء الأخيرة، وضعت القضيب، فقمت فصليت العشاء وما أدري كم صليت، عجلة وشوقا؛ فلما صليت قلت: تأذنين جعلت فداك في الدنوّ منك؟ قالت: تجرّد! وأشارت إلى ثيابها كأنها تريد أن تتجرّد؛ فكدت أن أشق ثيابي عجلة للخروج منها؛ فتجرّدت وقمت بين يديها مكفّرا لها؛ قالت: امض الى زاوية البيت وأقبل وأدبر، حتى أراك مقبلا ومدبرا.
قال: وإذا حصير في الغرفة، عليه طريق إلى زاوية البيت، فخطرت عليه، وإذا تحته خرق «١» إلى السوق، فإذا أنا في السوق قائما مجرّدا منعظا «٢» ! وإذا الشيخان الشاهدان قد أعدا لي نعالهما، وكمنا لي في ناحية، فلما هبطت عليهما بادرا إليّ فقطعا نعالهما «٣» على قفاي، واستعانا بأهل السوق؛ فضربت واللَّه يا أبا محمد حتى نسيت اسمي؛ فبينا أنا أضرب بنعال مخصوفة وأيد شديدة، إذا صوت يغنّي به من فوق البيت، وهو:
ولو علم المجرّد ما أردنا ... لحاربنا المجرّد بالصحاري
فقلت في نفسي: هذا واللَّه وقت هذا البيت! فنجوت إلى رحلي وما فيّ عظم صحيح؛ فسألت عنها فقيل لي: إنها امرأة من آل أبي لهب! فقلت: لعنها اللَّه ولعن الذي هي منه!
[يوم دارة جلجل]
قال الفرزدق: أصابنا بالبصرة ليلا مطر جود، فلما أصبحت ركبت بغلتي وسرت إلى المربد، فإذا أنا بآثار دواب وقد خرجت إلى ناحية البرية، فظننت أنهم قوم خرجوا للنزهة، وهم خلقاء أن يكون معهم سفرة، فاتبعت آثارهم حتى انتهيت إلى بغال عليهم رحائل موقوفة على غدير، فأسرعت إلى الغدير، فإذا فيه نسوة