تنّفح بالمسك محاريبهم ... وعنبر يقطبة قاطب «١»
والخبز واللحم لهم راهن ... وقهوة راووقها ساكب «٢»
والقطن والكتّان أثوابهم ... لم يجلب الصّوف لهم جالب
فأصبحوا قوتا لدود الثّرى ... والدهر لا يقي له صاحب
كأنما حياتهم لعبة ... سرى إلى بين بها راكب
وقال أبو حاتم: بين: موضع من الحيرة على ثلاث ليال.
الشيباني قال: وجد مكتوبا على بعض القبور:
ملّ الأحبّة زورتي فجفيت ... وسكنت في دار البلى فنسيت
الحيّ يكذب لا صديق لّميت ... لو كان يصدق مات حين يموت
يا مؤنسا سكن الثرى وبقيت ... لو كنت أصدق إذ بليت بليت
أو كان يعمى للبكاء مفجّع ... من طول ما أبكى عليك عميت «٣»
[وقال محمد بن عبد الله:]
وعما قليل أن ترى باكيا لنا ... سيضحك من يبكي ويعرض عن ذكري
ترى صاحبي يبكي قليلا لفرقتي ... ويضحك من طول اللّيالي على قبري
ويحدث إخوانا وينسى مودّتي ... وتشغله الأحباب عني وعن ذكري
[من رثى ولده]
فمن قولي في ولدي:
بليت عظامي والأسى يتجدّد ... والصبر ينفد والبكا لا ينفد
يا غائبا لا يرتجى لإيابه ... ولقائه دون القيامة موعد
ما كان أحسن ملحدا ضمّنته ... لو كان ضمّ أباك ذاك الملحد
باليأس أسلو عنك لا بتجلّدي ... هيهات أين من الحزين تجلد