أحسنت والله يا أمير المؤمنين! فقام ابراهيم رهبة من ذلك، وقال: قتلتني والله يا امير المؤمنين! لا والله إن جلست حتى تسمّيني باسمي. قال: اجلس يا ابراهيم. فكان بعد ذلك آثر الناس عند المأمون: ينادمه ويسامره ويغنّيه.
[قصة يرويها للمأمون]
فحدثه يوما فقال: بينا انا مع أبيك يا أمير المؤمنين بطريقة مكة، إذ تخلفت عن الرفقة وانفردت وحدي، وعطشت وجعلت اطلب الرفقة، فأتيت إلى بئر، فإذا حبشي نائم عندها، فقلت له: يا نائم، قم فاسقني! فقال: إن كنت عطشان فانزل واستق لنفسك. فخطر صوت ببالي، فترنمت به وهو:
كفّناني إن متّ في درع أروى ... واسقياني من بئر عروة ماء «١»
فلما سمع قام نشيطا مسرورا، وقال: والله هذه بئر عروة، وهذا قبره! فعجبت يا امير المؤمنين لما خطر ببالي في ذلك الموضع، ثم قال: أسقيك على أن تغنّيني؟ قلت:
نعم، فلم أزل أغنيه وهو يجبذ «٢» الحبل، حتى سقاني وأروى دابّتي، ثم قال: أدلك على موضع العسكر على أن تغنّيني؟ قلت: نعم. فلم يزل يعدو بين يدي وأنا اغنيه حتى أشرفنا على العسكر، فانصرف؛ وأتيت الرشيد فحدثته بذلك، فضحك. ثم رجعنا من حجّنا، فإذا هو قد تلقاني وأنا عديل الرشيد، فلما رآني قال: مغنّ والله! قيل له: أتقول هذا لاخي أمير المؤمنين؟ قال اي لعمر الله، لقد غناني! وأهدى إليّ أقطا «٣» وتمرا، فأمرت له بصلة وكسوة، وأمر له الرشيد بكسوة أيضا. فضحك المأمون، وقال: غنّي الصوت. فغنيته فافتتن به، فكان لا يقترح عليّ غيره.
وكان مخارق وعلّوية قد حرّفا القديم كله وصيّرا فيه نغما فارسية؛ فإذا أتاهما الحجازي بالغناء الاول الثقيل، قالا: يحتاج غناؤك إلى فصاده! واسم علوية: يوسف مولى لبني امية.