تؤذوا الأحياء بسبّ الموتى. فنهى عن سبّ أبي جهل من أجل عكرمة ابنه، وأبو جهل عدوّ الله ورسوله، والمقيم على الشرك، والجادّ في محاربة رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل الهجرة والمحارب له بعدها، وكفى بالشرك ذنبا؛ وقد كان يغنيكم عن هذا القول الذي سمّيتم فيه طلحة وأبي أن تقولوا: أتبرأ من الظالمين؟ فإن كانا منهم دخلا في غمار الناس «١» ، وان لم يكونا منهم لم تحفظوني بسبّ أبي وصاحبه، وأنتم تعلمون أن الله جلّ وعزّ قال للمؤمن في أبويه: وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً
«٢» وقال: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً
«٣» . وهذا الذي دعوتم إليه أمر له ما بعده، وليس يقنعكم إلا التوقيف والتّصريح، ولعمري إنّ ذلك أحرى بقطع الحجج، وأوضح لمنهاج الحق، وأولى بأن يعرف كلّ صاحبه من عدوّه. فروحوا إليّ من عشيّتكم هذه أكشف لكم ما أنا عليه إن شاء الله تعالى.
[خطبة ابن الزبير فيهم:]
فلما كان العشي راحوا إليه، فخرج إليهم وقد لبس سلاحه، فلما رأى ذلك نجدة «٤» ، قال: هذا خروج منابذ «٥» لكم. فجلس على رفع من الأرض فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيّه، ثم ذكر أبا بكر وعمر أحسن ذكر، ثم ذكر عثمان في السنين الأوائل من خلافته؛ ثم وصلهن بالسّنين التي أنكروا سيرته فيها فجعلها كالماضية، وأخبر أنه آوى الحكم بن أبي العاصي بإذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وذكر الحمى وما كان فيه من الصلاح، وأنّ القوم استعتبوه من أمور ما كان له أن يفعلها أولا مصيبا ثم أعتبهم بعد ذلك محسنا. وأن أهل مصر لما أتوه بكتاب ذكروا أنه منه بعد أن ضمن لهم العتبى ثم كتب ذلك الكتاب بقتلهم. فدفعوا الكتاب إليه، فحلف بالله